الأمر السابع فی ثمرة القول بالمقدّمة الموصلة
ثمّ إنّه تظهر الثمرة بین القول بوجوب المقدّمة الموصلة ، والقول بوجوب مطلق المقدّمة فی تصحیح العبادة إذا کان ترکها مقدّمة لواجب أهمّ بناءً علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة ، وفسادها لو کان مطلق المقدّمة واجبة .
وذلک لأنّه إذا کان ترک ضدّ مقدّمة لفعل ضدّ آخر أهمّ کترک الصلاة إذا کان مقدّمة لإنقاذ نفس محترمة مثلاً وقلنا بأنّه إذا کان الضدّ العامّ أو نقیض شیء واجباً ـ کترک الصلاة فی المفروض ـ یکون نقیضه ـ وهو فعل الصلاة فی المفروض ـ حراماً ، وبالعکس إذا کان حراماً یکون نقیضه واجباً ، وقلنا بأنّ النهی عن العبادة موجب لفسادها .
فإذا تمهّد هذه الاُمور : فعلی القول بوجوب مطلق المقدّمة تکون صلاته فی المفروض باطلة ؛ لأنّ ترک الصلاة مقدّمة لواجب أهمّ ـ وهو إنقاذ نفس محترمة ـ فیکون واجباً ، وأشرنا : أنّه إذا کان ترک شیء واجباً یکون فعله ـ وهو الصلاة فی المفروض ـ حراماً ومنهیاً ، والنهی عن الصلاة موجب لفسادها ؛ فتقع الصلاة باطلة .
وأمّا علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة فحیث لا یکون مطلق ترک المقدّمة واجباً ـ بل الترک الموصل إلی الإنقاذ واجب ـ وحیث إنّ نقیض هذا الترک لیس إلاّ ترک هذا الترک ، لا فعل الصلاة ، ولا الترک غیر الموصل ؛ لأنّ نقیض کلّ شیءٍ رفعه أو مرفوع به ، وهو واضح کما قرّر فی محلّه . ونقیض الواحد لیس إلاّ واحداً ، وذلک
[[page 210]]لأنّه لو کان لشیء واحد نقیضان یلزم اجتماع النقیضین أو ارتفاعهما ؛ لأنّه إذا کان لکلٍّ من «ب» و«ج» نقیض مستقلّ ؛ وهو «الألف» ف «ج» و«ب» لم یکونا متناقضین ، فهما إمّا متلازمان أو لا ، لا سبیل إلی القول بالملازمة مع کون کلّ واحدٍ منهما مناقضاً مستقلاًّ لـ «الألف» ؛ لأنّ المتلازمین لابدّ وأن یکونا إمّا بین العلّة ومعلولها ، أو معلولی علّة واحدة ، أو ینتهیا إلی علّة واحدة ، ولم یکن ما نحن فیه شیئاً منها .
فإذا لم یکن بینهما ملازمة فیمکن أن یکون «ب» موجوداً دون «ج» وبالعکس . فإذا کان أحدهما موجوداً دون الآخر یلزم أن یکون «ألف» موجوداً ومعدوماً .
فإذا کان «ب» موجوداً دون «ج» فمن حیث إنّ «ألف» نقیض «ب» یکون معدوماً ، ومن حیث إنّ «ج» غیر موجود یکون موجوداً ؛ فیلزم اجتماع النقیضین وارتفاعهما .
فظهر ممّا ذکر : أنّ نقیض الواحد محال أن یکون اثنین ، بل لابدّ وأن یکون واحداً ، فنقیض ترک الموصل لیس هو إلاّ ترک هذا الترک ، لا فعل الصلاة ، ولا الترک غیر الموصل ؛ لأنّه قد لا تکون الصلاة ولا ترک الصلاة الموصل إلی فعل الإنقاذ موجوداً ـ وذلک فی مورد ترک الصلاة والإنقاذ کلیهما ـ فیلزم ارتفاع النقیضین .
فظهر : أنّ نقیض ترک الموصل ترکُ ترکِ الموصل ، وهذا العنوان ینطبق تارةً علی عنوان الصلاة انطباقاً عرضیاً ، وتارةً علی ترک غیر الموصل ، وحیث إنّ الانطباق عرضی فلا یلزم أن تکون الصلاة محرّمة .
وبالجملة : انطباق عنوان ترک ترک الموصل ـ حیث إنّه عدمی ـ علی الصلاة ـ التی هی أمر وجودی ـ إنّما هو انطباق عرضی ، وإلاّ یلزم أن تکون الحیثیة
[[page 211]]الوجودیة عین الحیثیة العدمیة ، وانطباق الشیء علی أمر عرضاً لا یلزم منه أن یکون الشیء المنطبق علیه حراماً ، بل یمکن أن یقال : إنّه لا یکون مصداقاً له عند أهله ، بل یکون فعل الصلاة مصدوقاً علیه لذلک ، کما لا یخفی .
وبعبارة اُخری : هذه الثمرة تامّة ، إجمالها : أنّه علی تقدیر وجوب مطلق المقدّمة یکون ترک الضدّ ـ کالصلاة مثلاً ـ مقدّمة للضدّ الأهمّ ـ کالإنقاذ ـ فتکون ترک الصلاة مطلقاً واجباً ، فنقیضه العامّ هو فعل الصلاة ؛ لأنّ التقابل بین الفعل والترک تقابل الإیجاب والسلب ؛ فکما أنّ فی المفردات یکون کلّ من العدم والوجود یقابل الآخر تقابل الإیجاب والسلب فکذلک فعل الصلاة نقیضه ترک الصلاة ، وبالعکس . فعدم الصلاة إذا کان مقدّمة للإنقاذ یکون واجباً ، فنقیضه ـ وهو فعل الصلاة ـ یکون منهیاً عنه ، فیقع باطلاً .
وأمّا علی تقدیر القول بالمقدّمة الموصلة فحیث إنّه لم یکن ترک الصلاة مقدّمة حسب الفرض ، بل الترک الموصل إلی الإنقاذ ، فنقیضه لا یکون فعل الصلاة ؛ لأنّه لو کان نقیضاً یلزم ارتفاع النقیضین أحیاناً ؛ وهو فیما إذا ترک الصلاة وترک الإنقاذ .
وکذا لا یکون نقیضه فعل الصلاة وترک غیر الموصل ؛ لأنّه ـ کما أشرنا ـ نقیض الواحد لا یکون إلاّ واحداً ، فنقیضه ترک ترک هذا الموصل ؛ لأنّ نقیض الأخصّ أعمّ . نعم لهذا النقیض مصداقان : مصداق ذاتی ، وهو مطلق الترک ، ومصداق عرضی ، وهو فعل الصلاة .
وحیث لا یکون انطباق عنوان الترک علی فعل الصلاة ذاتیاً ـ بل عرضیاً ـ فلا یوجب حزازة فی الفعل ؛ فلا یکون الفعل حراماً . بل قد عرفت أنّه فی الحقیقة لم یکن مصداقاً ، بل مصدوق علیه ؛ فلا تقع الصلاة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة باطلة .
[[page 212]]ولعلّک إذا أحطت بما ذکرنا تعرف : أنّه لا وقع للإشکال بأنّه لِمَ لم یصر فعل الصلاة نقیضاً لترک الموصل ، مع أنّهم عرّفوا النقیض بأنّه «رفع الشیء أو مرفوع به» ، والصلاة وإن لم تکن رفع ترک الموصل ، لکنّه مرفوعاً بها ؟ ! ولأنّ عدم کونها نقیضاً إنّما هو لأجل أنّه إذا کان فعل الصلاة نقیضاً له یلزم ارتفاع النقیضین فیما إذا ترکها وترک الإنقاذ . وحیث إنّ ارتفاع النقیضین ـ کاجتماعهما ـ محال ، یستکشف منه أنّ نقیض الترک الموصل شیء آخر ؛ وهو ترک ترک الموصل لا فعل الصلاة .
إن قلت : إنّ تقابل التناقض ما یکون بین الإیجاب والسلب ، وترک الموصل وترک ترکه کلاهما عدمیان سلبیان ، فانتقضت القاعدة المسلّمة عند الکلّ ؛ من انحصار مورد التناقض فی الإیجاب والسلب .
قلت : مرادهم بالإیجاب والسلب ـ کما صرّحوا به ـ معنی أعمّ من الإیجاب والسلب الحقیقیین أو الإضافیین ؛ فکما أنّ بین القیام وعدمـه تقابل التناقض ، فکـذلک بین العدم وعـدم العدم تناقض ؛ لأنّ العدم بالنسبـة إلی عدم العدم إیجاب وعـدم العدم سلبه .
وإنّما یصار إلی الوجود والعدم الإضافیین فی مورد لا یمکن القول بالحقیقی فیهما . وما نحن فیه کذلک ؛ لأنّه بعد أن لم یمکن القول بأنّ فعل الصلاة نقیضه ـ لاستلزام ارتفاع النقیضین ـ ولا أن یکون هو مع ترک الغیر الموصل ـ لاستلزامه أن یکون لشیء واحد نقیضان ، وهو محال ـ فلابدّ وأن یقال : إنّ نقیض ترک الموصل ترک ترک الموصل . فترک ترک الموصل بالنسبة إلی ترک الموصل أمر عدمی ، وترک الموصل بالنسبة إلیه إیجاب ؛ فلم تنتقض القاعدة ، فتدبّر .
[[page 213]]