الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

مقال صاحب الحاشیة فی رجوع القید عند الدوران إلی المادّة ودفعه

کد : 148530 | تاریخ : 02/02/1394

مقال صاحب الحاشیة فی رجوع القید عند الدوران إلی المادّة ودفعه

‏ ‏

‏ثمّ إنّ صاحب «هدایه المسترشدین» ‏‏قدس سره‏‏ ذکر عن بعض أنّ مقتضی الأصل فی‏‎ ‎‏دوران الأمر بین رجوع القید إلی الهیئة أو المادّة رجوعه إلی المادّة‏‏ ‏‏؛ لأنّ تقیید الهیئة‏‎ ‎‏مستلزم لتقیید المادّة أیضاً‏‏ ‏‏، دون العکس‏‎[1]‎‏ .‏

‏توضیح ما ذکره بتقریب منّا هو‏‏ ‏‏: أنّه بعدما علم إجمالاً بطروّ تقیید فی الکلام‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏ودار أمره بین تقییدٍ وتقییدین‏‏ ‏‏، فأحد القیدین معلوم والآخر مشکوک فیه‏‏ ‏‏، والأصل‏
‎[[page 104]]‎‏عدمه‏‏ ‏‏؛ فلو کان القید راجعاً إلی الهیئة یستلزم تقیید المادّة أیضاً‏‏ ‏‏؛ إذ لا‏‏ ‏‏یمکن إطلاق‏‎ ‎‏المادّة مع تقیید الهیئة‏‏ ‏‏، بخلاف العکس‏‏ ‏‏؛ لأنّه لو رجع القید إلی المادّة فلا تتعدّی‏‎ ‎‏حریمها‏‏ ‏‏. فتقیید المادّة معلوم تفصیلاً علی أیّ تقدیر‏‏ ‏‏، بخلاف تقیید الهیئة‏‏ ‏‏؛ فإنّه مشکوک‏‎ ‎‏فیه‏‏ ‏‏؛ فمقتضی الأصل رجوع القید إلی المادّة‏‏ .‏

‏ ‏

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏وقد أورد المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ علی مقال المحقّق صاحب «الحاشیة» إشکالین‏‎[2]‎‏ :‏

الأوّل‏ :‏‏ أنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم والملکة‏‏ ‏‏، فحیثما امتنع‏‎ ‎‏الإطلاق امتنع التقیید‏‏ ‏‏. وفیما نحن فیه‏‏ ‏‏: لو رجع القید إلی الهیئة وکان وجوب الحجّ‏‎ ‎‏ـ‏‏ ‏‏مثلاً‏‏ ‏‏ـ مشروطاً بالاستطاعة فلا‏‏ ‏‏یعقل الإطلاق فی طرف المادّة‏‏ ‏‏؛ إذ بعدما کان‏‎ ‎‏وجوب الحجّ بعد فرض حصول الاستطاعة فکیف یکون الحجّ واجباً فی کلتا صورتی‏‎ ‎‏الاستطاعة وعدمها‏‏ ‏‏، الذی هو معنی الإطلاق‏‏ ؟ !‏

الثانی‏ :‏‏ أنّ کلّ قید یرجع إلی المادّة یقتضی لزوم تحصیلها‏‏ ‏‏، ومقتضی کونه قیداً‏‎ ‎‏للهیئة أخذه مفروض الوجود ـ کما سبق ـ فالاستطاعة فی الحجّ إن اُخذت قیداً للهیئة‏‎ ‎‏فلابدّ وأن تکون مفروضة الوجود‏‏ ‏‏؛ فلا معنی بعده لتقیید المادّة بها أیضاً‏‏ ‏‏، المقتضی‏‎ ‎‏للزوم تحصیلها‏‏ ‏‏؛ لأنّه تحصیل للحاصل‏‏ ‏‏. فتحصّل‏‏ ‏‏: أنّ دعـوی کـون تقیید الهیئـة‏‎ ‎‏مستلزماً لتقیید المادّة ممّا لا‏‏ ‏‏یرجـع إلی محصّل‏‏ .‏

‏نعم‏‏ ‏‏، النتیجة المقصودة من تقیید المادّة حاصلة قهراً عند تقیید الهیئة‏‏ ‏‏؛ لأنّ‏
‎[[page 105]]‎‏المقصود من تقیید الحجّ بالاستطاعة لیس إلاّ وقوع الحجّ بعد التلبّس بالاستطاعة‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏وهذا المعنی حاصل بعد تقیید الهیئة‏‏ .‏

‏ولکن هذا غیر تقیید المادّة بحیث یکون رجوع القید إلی الهیئة موجباً لتعدّد‏‎ ‎‏التقیید‏‎[3]‎‏ ‏‏، انتهی‏‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّه لا‏‏ ‏‏یتوجّه علی المحقّق صاحب «الحاشیة» ‏‏قدس سره‏‏ شیء من الإشکالین‏‏ :‏

أمّا الإشکال الأوّل‏ :‏‏ فلأنّ معنی قولهم‏‏ ‏‏: إنّ التقیید فی مورد یمکن فیه الإطلاق‏‎ ‎‏هو لحاظ الشیء بحیاله مجرّداً عن طروّ التقیید علیه‏‏ ‏‏، فإن کان مطلقاً یمکن فیه التقیید‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏وإلاّ فلا‏‏ ‏‏. وأمّا فرض التقیید فی شیء وتوقّع الإطلاق منه فأمر غیر مترقّب‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: المدار ملاحظة الشیء نفسه مع قطع النظر عن طروّ التقیید‏‏ ‏‏؛ ففی‏‎ ‎‏المثال المفروض لابدّ وأن یفرض الحجّ قبل ورود التقیید من ناحیة الهیئة‏‏ ‏‏، وواضح‏‏ ‏‏:‏‎ ‎‏أنّه یقبل الإطلاق کما یقبل التقیید‏‏ .‏

‏وما أورده المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ علی صاحب «الحاشیة» یکون دلیلاً علی مقالته‏‏ ‏‏؛‏‎ ‎‏لأنّه حیث یری أنّ تقیید الهیئة مستلزم لتقیید المادّة‏‏ ‏‏، فهنا أیضاً حیث یرجع القید إلی‏‎ ‎‏الهیئة وکان وجوب الحجّ مشروطاً بالاستطاعة فلا محالة قیّدت المادّة أیضاً‏‏ .‏

‏وإن شئت مزید توضیح فنقول‏‏ ‏‏: لا إشکال فی أنّه لقوله تعالی‏‏ ‏‏: ‏‏«‏أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ‎ ‎وَحَرَّمَ الرِّبَا‏»‏‎[4]‎‏ إطلاق وملاحظة الإطلاق فیه بالنسبة إلی الربوی وغیره إنّما هو قبل‏‎ ‎‏ملاحظة طروّ التقیید علیه بکونه غیر ربوی‏‏ ‏‏، وإلاّ فبعد فرض تقیید الحلّیة بکونها‏‎ ‎‏غیر ربوی لا معنی للإطلاق بالنسبة إلیه‏‏ .‏


‎[[page 106]]‎‏فما اُفید ـ مضافاً إلی أنّه غیر متوجّه علی قول صاحب «الحاشیة» ـ یمکن أن‏‎ ‎‏یکون تأییداً له‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

وأمّا الإشکال الثانی‏ :‏‏ فلأنّ القیود علی قسمین‏‏ ‏‏: فقسم منهما یکون فی الرتبة‏‎ ‎‏السابقة علی الأمر والبعث‏‏ ‏‏، والقسم الآخر یکون فی الرتبة المتأخّرة عن الأمر‏‎ ‎‏والبعث‏‏ .‏

‏فإن کانت القیود واقعة فی الرتبة السابقة تکون من قیود الموضوع وتکون تحت‏‎ ‎‏دائرة الطلب‏‏ ‏‏، فلابدّ للمکلّف تحصیلها‏‏ ‏‏. وأمّا القیود المتأخّرة عن تعلّق الهیئة‏‎ ‎‏بالموضوع فلا تکاد تدعوا الهیئة إلیها‏‏ ‏‏؛ لأنّها لا تدعوا إلاّ إلی موضوعه‏‏ ‏‏، والمفروض‏‏ ‏‏:‏‎ ‎‏أنّ التقیید حصل بعد تقیّد الهیئة بالموضوع‏‏ .‏

‏فحینئذٍ‏‏ ‏‏: للمحقّق صاحب «الحاشیة» أن یقول‏‏ ‏‏: إنّ تقیید الهیئة حیث یستلزم‏‎ ‎‏تقیید المادّة‏‏ ‏‏، فتقیید المادّة یکون فی الرتبة المتأخّرة عن تعلّق الهیئة بالموضوع‏‏ ‏‏، فلا‏‎ ‎‏تکاد تبعث الهیئة إلی ما تأخّر‏‏ ‏‏، هذا‏‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 107]]‎

  • )) هدایة المسترشدین 2 : 98 .
  • )) قلت : ولا یخفی أنّ ما نعدّه إشکالاً ثانیاً ذکره العلاّمة المقرّر رحمه الله تقریباً للوجه الأوّل ، ولعلّه اشتباه منه ، وإلاّ فکلّ منهما وجه علی حدة ، فتدبّر .[ المقرّر حفظه الله ]
  • )) فوائد الاُصول 1 : 213 ـ 214 .
  • )) البقرة (2) : 275 .

انتهای پیام /*