الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

الأمر الأوّل فیما یمکن أن یقع محطّ النزاع فی وجوب المقدّمة

کد : 148552 | تاریخ : 02/02/1394

الأمر الأوّل فیما یمکن أن یقع محطّ النزاع فی وجوب المقدّمة

‏ ‏

‏لا إشکال فی أنّ الفاعل منّا لا تتعلّق إرادته بشیء ـ کلقاء الصدیق مثلاًـ إلاّ‏‎ ‎‏بعد تصوّر ذلک الشیء‏‏ ‏‏، ثمّ التصدیق بفائدته‏‏ ‏‏، ثمّ یحصل له ـ نوعاً ـ الاشتیاق إلیه‏‏ ‏‏، ثمّ‏‎ ‎‏تصمیم العزم ـ ویعبّر عنه بالإرادة ـ ولا تتعلّق الإرادة بنفس العمل الخارجی‏‎ ‎‏بلا واسطة‏‏ ‏‏، بل بوسائط‏‏ ‏‏، کبسط القوی وقبضها‏‏ ‏‏، ومدّ الید إلیه ونحوها‏‏ .‏

‏وحیث إنّ الإرادة من أفعال النفس تکون تابعة لتشخیص الفاعل المصلحة فی‏‎ ‎‏المراد‏‏ ‏‏؛ فلا‏‏ ‏‏یلزم أن یکون الشیء المراد موافقاً لغرضه بحسب الواقع ونفس الأمر‏‏ ‏‏؛‏
‎[[page 7]]‎‏فربّما تتعلّق إرادة الفاعل بشرب مائع یری أنّه ماء عذب صالح ـ مثلاًـ مع أنّه فی‏‎ ‎‏الواقع سمّـاً مهلکاً‏‏ ‏‏. وبالجملة‏‏ ‏‏: أنّ الإرادة مرهونة بتشخیص الفاعل کون الشیء‏‎ ‎‏ذامصلحة‏‏ ‏‏، وهو قد یطابق الواقع ونفس الأمر‏‏ ‏‏، وقد یکون جهلاً مرکّباً مخالفاً للواقع‏‏ ‏‏.‏‎ ‎‏فلا تکاد تتعلّق الإرادة بما هو الصلاح واقعاً‏‏ ‏‏؛ ضرورة امتناع تعلّقها بالمجهول المطلق‏‎ ‎‏وما یکون مجهولاً عنده‏‏ .‏

‏ثمّ إنّ المطلوب والمراد قد یکون له مبادئ ومقدّمات‏‏ ‏‏، وواضح‏‏ ‏‏: أنّه لا تتعلّق‏‎ ‎‏الإرادة بها کیف اتّفق بحیث لم تکن محتاجة إلی التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرها‏‎ ‎‏من مبادئ الفعل الاختیاری‏‏ ‏‏، بل کلّ من المقدّمة وذیها مرهونان بالتصوّر والتصدیق‏‎ ‎‏بالفائدة وغیرهما من المبادئ‏‏ .‏

‏ألا تری أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ مشروطة بالطهارة‏‏ ‏‏، وهی مقدّمة لها‏‏ ‏‏، ومع ذلک‏‎ ‎‏تحتاج الطهارة إلی التصوّر والتصدیق وغیر ذلک‏‏ ‏‏، کما تحتاج إلیها نفس الصلاة‏‏ ؟ !‏

‏نعم‏‏ ‏‏، حیث إنّ الصلاة لا تتحقّق بدون الطهارة شرعاً فتوجد الإرادة المتعلّقة‏‎ ‎‏بالصلاة مبادئ الإرادة فی الطهارة‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: لابدّ فی تحقّق کلّ من المقدّمة وذیها من مبادئ‏‏ ‏‏، ولا فرق فیهما من‏‎ ‎‏هذه الجهة‏‏ ‏‏، وإن کان بینهما فرق من جهة اُخری‏‏ ‏‏، کما سنشیر إلیها‏‏ ‏‏؛ لأنّ الوجدان‏‎ ‎‏أصدق شاهدٍ علی أنّ النفس لا تشتاق ولا تتعلّق إرادتها بالمجهول المطلق وما یکون‏‎ ‎‏مجهولاً عنده‏‏ .‏

‏فتوهّم الفرق بینهما‏‏ ‏‏: بأنّ المطلوب النفسی هو الذی تتعلّق به الإرادة ویحتاج‏‎ ‎‏وجوده إلی مبادئ ومقدّمات‏‏ ‏‏، وأمّا المقدّمة فتوجد بإرادة ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، من دون أن‏‎ ‎‏یکون لها مبادئ‏‏ .‏

‏مدفوع‏‏ ‏‏؛ لما أشرنا أنّه محال أن تتعلّق إرادة الفاعل بما یکون مجهولاً عنده‏‏ .‏


‎[[page 8]]‎‏نعم‏‏ ‏‏، التصدیق بفائدة المطلوب النفسی فی الواجب النفسی لنفسه‏‏ ‏‏. وأمّا فی‏‎ ‎‏الواجب المقدّمی فلا تکون لنفسها‏‏ ‏‏، بل للغیر‏‏ .‏

‏ومعنی تبعیة إرادة المقدّمة من إرادة ذیها لیس معلولیة إرادتها من إرادة ذیها‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏بل معناها‏‏ ‏‏: أنّ الفائدة المترتّبة علی إرادة المقدّمة بحسب تشخیص الفاعل لیس لها‏‎ ‎‏لنفسها‏‏ ‏‏، بل لأجل توقّف الغیر علیها‏‏ .‏

‏فظهر ممّا ذکرنا‏‏ ‏‏: أنّ کلاًّ من المقدّمة وذیها یتعلّق به الإرادة المنبعثة عن‏‎ ‎‏مبادئهما‏‏ ‏‏، من دون فرق بینهما فی ذلک‏‏ ‏‏. والفرق إنّما هو فی أنّ الغایة المقصودة فی أحدهما‏‎ ‎‏نفسی‏‏ ‏‏، وفی الآخر مقدّمی غیری‏‏ .‏

‏ولا‏‏ ‏‏یخفی‏‏ ‏‏: أنّ ما ذکرنا ـ من أنّ تعلّق الإرادة بشیء وبذی المقدّمة تابع‏‎ ‎‏لتشخیص الفاعل الـمصلحة فیه‏‏ ‏‏، لا ما یکون صلاحاً فی الواقع ـ جارٍ بعینه فی‏‎ ‎‏المقدّمة وما یکون مطلوباً للغیر أیضاً‏‏ ‏‏؛ فإنّ إرادته إنّما تتعلّق بما یراه مقدّمة بعد‏‎ ‎‏تصوّرها والتصدیق بفائدتها إلی غیر ذلک‏‏ ‏‏، لا ما هی مقدّمة واقعاً‏‏ ‏‏؛ لما أشرنا أنّ‏‎ ‎‏الإرادة لا تکاد تتعلّق بما یکون مجهولاً عند الفاعل‏‏ ‏‏؛ فقد لا‏‏ ‏‏یکون ما یراه مقدّمة‏‎ ‎‏لشیء مقدّمة له فی الواقع‏‏ .‏

‏فالتلازم بین إرادة المقدّمة وذیها دائماً إنّما هو بین إرادة ذی المقدّمة وما یراه‏‎ ‎‏مقدّمة‏‏ ‏‏، لا ما تکون مقدّمة فی الواقع‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 9]]‎

انتهای پیام /*