الأمر الثانی : فی اختصاص حمل المطلق علی المقیّد بصورة التنافی
إنّ حمل المطلق علی المقیّد إنّما هو فی صورة تحقّق التنافی بینهما ؛ من غیر فرق فی ذلک بین کونهما مثبتین ، أو متنافیین ، أو مختلفین ، فمثلاً قد یکون کلّ من المطلق والمقیّد ، مستنداً إلی سبب غیر الآخر ، کقوله : «إن ظاهرت أعتق رقبة» و«إن أفطرت أعتق رقبة مؤمنة» فحیث إنّه لا تنافی بینهما ، لا وجه لحمل المطلق علی المقیّد .
ولیعلم : أنّ مسألة حمل المطلق علی المقیّد ، مسألة عقلائیة ، فلابدّ من تحلیل
[[page 552]]المسألة تحلیلاً عقلائیاً ، لاعقلیاً دقیقاً ، بخلاف مسألة اجتماع الأمر والنهی ، فإنّها مسألة عقلیة محضة ، فلابدّ فیها من تدقیق النظر بأقصی ما یمکن ، ولذا لم یتمسّکوا فیها بفهم العرف والعقلاء ، بل استدلّوا فیها بوجوه عقلیة ، بخلاف مسألتنا هذه ، فإنّها عقلائیة ، فلابدّ وأن تعرض علی فهم العرف والعقلاء ، فما اقتضاه فهمهم فهو المتبع ، دون غیره وإن کان ذلک الغیر ممّا یحکم به العقل ، مثلاً إذا ورد «أعتق رقبة» ثمّ ورد فی کلام منفصل «أعتق رقبة مؤمنة» فمقتضی الفهم العقلائی هوحمل المطلق علی المقیّد ؛ وأنّ المراد الواقعی للمولی هو عتق المؤمنة ، ولا یصحّ أن یجمع بینهما بحمل الأمر فی المقیّد علی الاستحباب ؛ وکونه أفضل الأفراد ، وذلک لأنّ الجمع بینهما کذلک وإن کان ممکناً عقلاً ، وترتفع به غائلة التنافی ، ولکنّه غیر مقبول عند العقلاء .
وبالجملة : المتبع فی أمثال المقام ، هو الفهم العرفی العقلائی ، لا الحکم العقلی الدقیق ، فتدبّر .
[[page 553]]