حول ما یستدلّ به علی عدم جواز التخصیص أو التقیید
إذا أحطت خبراً بما ذکرنا ، یظهرلک ضعف ما استدلّ به علی عدم جواز تخصیص أو تقیید العموم أو الإطلاق الکتابی بخبر الواحد ، وهی وجوه :
منها : أنّ الکتاب العزیز قطعی السند ، وخبر الواحد ظنّی السند ، فکیف ترفع الید عن القطعی بالظنّی؟!
وفیه : أنّ الکتاب وإن کان قطعیاً بحسب الصدور ، إلاّ أنّ العامّ أو المطلق ظنّی الدلالة ، وخبر الواحد لا ینافیه من حیث السند ، بل من حیث الدلالة ، فیقدّم علیه بلحاظ أظهریة الخاصّ أو المقیّد فی مفاده من ظهور العامّ أو المطلق ، فرفع الید عن عموم الکتاب أو إطلاقه بالخبر ، من قبیل رفع الید عن الظنّی بمثله .
ومنها : أنّ حجّیة الخبر ثابتة بالإجماع ، والقدر المتیقّن منه ما إذا لم یخالف عموم الکتاب أو إطلاقه . بل یمکن أن یقال : إنّه لا إجماع علی العمل بخبر الواحد فی عَرْض الکتاب العزیز .
وفیه : أنّا أشرنا إلی أنّ عمدة ما یستدلّ به لحجّیة خبر الواحد ـ بل الدلیل الوحید علیهاـ هو بناء العقلاء الممضی لدی الشرع ، وقد أشرنا أیضاً إلی أنّ احتجاج العقلاء بأصالة العموم أو الإطلاق ، هو بلحاظ تطابق الجدّ للاستعمال ، ولا یکاد یحرز تطابقهما مع وجود خبر معتبر علی خلافه ، بل یجمع بینهما فی محیط التقنین بتقدیم الخاصّ والمقیّد علی عموم الکتاب وإطلاقه .
ومنها : أنّه لو جاز تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد ، لجاز نسخه به أیضاً ، لأنّه قسم من التخصیص ، وهو التخصیص بحسب الأزمان ، والثانی باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله .
[[page 509]]وفیه : ما أفاده اُستاذنا الأعظم البروجردی قدس سره : من أنّه أوّلاً : لم یرد دلیل قطعی علی عدم جواز نسخ الکتاب به. وثانیاً : أنّه لوفرض قیام دلیل قطعی علی عدم جواز نسخه به ، لم یثبت بذلک عدم جواز التخصیص بسببه .
وفی «المحاضرات» جواب لطیف آخر ، فلیلاحظ .
ومنها : الأخبار الدالّة علی المنع من العمل بما خالف کتاب الله ؛ وأنّ ما خالفه زخرف ، أو باطل ، أو یضرب علی الجدار ، أو«لم أقله» . . . وما شاکل ذلک ؛ فإنّها شاملة للأخبار المخالفة لعمومات الکتاب ومطلقاته أیضاً ، وعلیه فکیف یمکن تخصیصها أو تقییدها بها؟!
وفیه : أنّا أشرنا إلی أنّ الظاهر ـ بل المقطوع به من تلک الأخبار ـ عدم شمولها المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلقین ، حیث یوفّق ویجمع بینهما مطلقاً ، أو فی محیط التقنین ، فلا تعدّ هذه المخالفة مخالفة عند العرف ، کیف وقد صدرت عنهم صلوات الله علیهم أخبار کثیرة مخالفة لعموم الکتاب العزیز أو إطلاقه؟!
فالمراد بالمخالفة فی تلک الأخبار ، المخالفة للکتاب بنحو التباین الکلّی ، أو العموم والخصوص من وجه .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لامانع من تخصیص عموم الکتاب أو تقیید مطلقه بخبر الواحد ، بل علیه سیرة الأصحاب بلانکیر .
هذا تمام الکلام فیما یتعلّق بالعامّ والخاصّ . والحمدلله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً ، وهو حسبنا ونعم الوکیل .
[[page 510]]