تفصیل المحقّق النائینی فی المقام وما یرد علیه
وأمّا لواستفید کلّ من العموم والإطلاق من مقدّمات الحکمة ؛ سواء وقعا فی کلام واحد ، أو متعدّد ، فهل یقدّم المفهوم علی العامّ ، أو یتساقطان فیوجب الإجمال؟ وجهان ، بل قولان .
یظهر من المحقّق النائینی قدس سره اختیار الأوّل ؛ لأنّه قال : «إنّ المفهوم المخالف مهما کان أخصّ من العامّ ، یقدّم علی العامّ ، ویخصّص به مطلقاً ؛ سواء کان العامّ متصلاً بالقضیة التی تکون ذات مفهوم ، أو منفصلاً عنها ، ولا یصلح أن یکون العامّ قرینة علی عدم کون القضیة ذات مفهوم ؛ لما سبق فی المفاهیم من أنّ العبرة فی کون
[[page 480]]القضیة ذات مفهوم ، هی أن یکون القید راجعاً إلی الحکم ؛ لأنّها وضعت لتقیید جملة بجملة اُخری .
وبعبارة اُخری : یکون القید فی رتبة الإسناد ، لا فی الرتبة السابقة علی الإسناد ؛ فإنّه لوکان التقیید قبل الإسناد ، کان القید راجعاً إلی الموضوع ، وتکون القضیة مسوقة لفرض وجود الموضوع ، بخلاف ما إذا کان التقیید فی رتبة الإسناد ، فإنّ القید حینئذٍ یکون راجعاً إلی الحکم ، ویکون من تقیید جملة بجملة اُخری ، وحیث إنّ القضیة الشرطیة مثلاً ظاهرة فی کون القید راجعاً إلی الحکم ـ لأنّها وضعت لتقیید جملة بجملة کما عرفت ـ فتکون القضیة الشرطیة بنفسها ظاهرة فی کونها ذات مفهوم ، وأصالة العموم فی طرف العامّ ، لا تصلح أن تکون قرینة علی کون القید راجعاً إلی الموضوع ؛ لأنّ العموم إنّما یستفاد من مقدّمات الحکمة الجاریة فی مصبّ العموم ، وظهور القضیة فی المفهوم وإن کان بمقدّمات الحکمة ، لکنّه مقدّم وحاکم علی جریان مقدّمات الحکمة فی طرف العامّ ؛ لأنّ المقدّمات الجاریة فی طرف المفهوم ، تکون بمنزلة القرینة علی أنّ المراد من العامّ هو الخاصّ ، والعامّ لا یصلح لأن یکون قرینة علی کون القضیة الشرطیة ، مسوقة لفرض وجود الموضوع ؛ لأنّ کون القضیة مسوقة لفرض وجود الموضوع یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه . . . » .
إلی أن قال : «هذا إذا کان المفهوم أخصّ مطلقاً من العامّ . وأمّا لوکان أعمّ من وجه فیعامل معهما معاملة العموم من وجه ؛ فربما یقدّم المفهوم فی مورد الاجتماع ، وربما یقدّم العامّ» .
أقول : لعلّ منشأ التفصیل الذی ذکره فی المقام ، هو اُنس ذهنه الشریف بأنّ
[[page 481]]الخاصّ یقدّم علی العامّ مطلقاً ، وأنّ العامّین من وجه یؤخذ بما هو الأرجح منهما ، مع أنّ الأمر لیس کذلک ؛ لأنّ المعارضة لم تکن بین العامّ وبین المفهوم أوّلاً وبالذات ، حتّی یلاحظ حال المفهوم من حیث الأخصّیة والأعمّیة ، بل بین ما له المفهوم ، وبین ما یدلّ علی العموم ، فیکون التعارض فی الرتبة السابقة علیهما ؛ وفی الألفاظ الدالّة علی المفهوم والعموم ، فلابدّ من رفع التعارض هناک ، ومعلوم أنّ استفادة کلّ منهما ـ حسب الفرض ـ مرهونة بجریان المقدّمات ، فلاوجه لجعل أحدهما بیاناً للآخر ، ولا لکون جریان المقدّمات فی المفهوم بمنزلة القرینة للعامّ ، لیقدّم الإطلاق فی المفهوم فی خصوص ما یکون المفهوم أخصّ ، مع أنّه لوکان الإطلاق فی أحدهما مقدّماً علی الآخر ، لکان ینبغی أن یقدّم ولو فیما إذا کانت النسبة بینها عموماً من وجه ، ولم یقل به .
ثمّ إنّ جریان مقدّمات الحکمة فی العامّ ، لا یوجب رجوع القید فی الشرطیة إلی الموضوع ؛ حتّی یقال : إنّ أصالة الإطلاق فی طرف العامّ لا تصلح لذلک ، بل یمنع جریانها فی الشرطیة لإثبات الانحصار .
هذا مضافاً إلی أنّه قد سبق : أنّ باب العموم غیر باب الإطلاق ، وأنّ دلالة العامّ علی العموم لم تکن مرهونة بجریان المقدّمات فی مصبّ العموم .
[[page 482]]