المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

المورد الأوّل‏: فی تفسیر المفهوم الموافق

کد : 148666 | تاریخ : 03/02/1394

المورد الأوّل : فی تفسیر المفهوم الموافق

‏یتصوّر للمفهوم الموافق أقسام‏ ‏، ویعبّر عنها بعناوین وإن لم یطلق علی تمامها‏‎ ‎‏«المفهوم» أو لا یکون ذلک فی الحقیقة مفهوماً‏ ‏، ولکن مع ذلک تشترک جمیع‏‎ ‎‏الأقسام فی کونها غیر مذکورة فی محلّ النطق ، ولکنّها تفهم من محلّ النطق ، وتوافقه‏‎ ‎‏إیجاباً وسلباً .‏

‏وهناک الأقسام :‏

الأوّل‏ : ما یعبّر عنه المتأخّرون بإلغاء الخصوصیة‏ ‏، مثل قوله : «رجل شکّ بین‏‎ ‎‏الثلاث والأربع» وقول زرارة : «أصاب ثوبی دم رعاف» فإنّه لو اُلقیت الجملتان علی‏‎ ‎‏العرف‏ ‏، لما انقدح فی ذهنهم خصوصیة للرجولیة فی البناء علی الأکثر‏ ‏، ولاخصوصیة‏‎ ‎‏لدم زرارة ورعافه وثوبه‏ ‏، بل یرون أنّ الحکم للشاکّ رجلاً کان أو امرأة فی المثال‏‎ ‎‏الأوّل‏ ‏، ولغیر زرارة من سائر الناس ولأثوابهم ورعافهم فی المثال الثانی‏ .

‏والسرّ فی ذلک : هو أنّ العرف یری أنّ تمام الموضوع للحکم فی الجملة‏‎ ‎‏الاُولی‏ ‏، هو الشکّ‏ ‏، وفی الثانیة ذات الدم من غیر المأکول‏ ‏. وأظنّ أنّ هذا القسم فی‏‎ ‎‏الحقیقة‏ ‏، معدود من دلالة المنطوق لا المفهوم‏ ‏، ولو اُطلق علیه المفهوم فهو علی سبیل‏‎ ‎‏المسامحة‏ ‏، فتدبّر‏ .

الثانی‏ : أن یکون المنطوق معنی کنائیاً‏ ‏؛ بحیث لا یراد ماجعل موضوعاً للحکم‏‎ ‎‏فی ظاهر الدلیل‏ ‏، کقوله تعالی :‏‏«‏وَلاَتَقُلْ لَهُمَا اُفٍّ‏»‏‎[1]‎‏ علی احتمال أن تکون‏‎ ‎‏کلمة‏‏«‏اُفٍّ‏»‏‏ کنایة عن الإیذاء بالضرب والشتم ونحوهما‏ ‏، وأمّا التلفّظ بکلمة «اُفٍّ»‏‎ ‎‏فلا یکون محکوماً بحکم‏ ‏، کما لا یبعد‏ ‏، فالمحرّم هو الإیذاء‏ ‏. ونظیره فی الفارسیة :‏
‎[[page 470]]‎‏(فلانی نمی تواند به سایه فلانی نگاه کند) فإنّه کنایة عن شدّة بغضه له‏ ‏، وهو واضح‏ .

الثالث‏ : کالصورة السابقة‏ ‏، ولکنّه اُخذ المنطوق موضوعاً للحکم من جهة‏‎ ‎‏کونه أخفّ المصادیق للانتقال إلی سائرها‏‎[2]‎ ‏، کالآیة السابقة علی احتمال أن یکون‏‎ ‎‏التلفّظ بکلمة «اُفٍّ» أیضاً محکوماً بالحرمة‏ ‏، فذکر أخفّ المصادیق فی الآیة المبارکة‏‎ ‎‏للانتقال إلی سائرها‏ .

الرابع‏ : أن یکون الحکم المذکور فی محلّ النطق معلّلاً، کقوله: «لا تشرب الخمر؛‏‎ ‎‏لأنّه مسکر» فیستفاد من عموم التعلیل حکم غیر المذکور‏ ‏، کالفقّاع أو النبیذ مثلاً‏ .

الخامس‏ : الأولویة القطعیة‏ ‏؛ وهی ما إذا لم یذکر الحکم‏ ‏، لکنّ العقل یقطع به‏‎ ‎‏بالمناط القطعی من الحکم المذکور‏ ‏، وهذا ما یعبّر عنه فی ألسنة المتأخّرین بالمناسبة‏‎ ‎‏العقلیة بین الحکم والموضوع ودارج بینهم‏ ‏، وذلک کما إذا قیل مثلاً : «أکرم خدّام‏‎ ‎‏العلماء» فإنّ العقل یحکم بوجوب إکرام العلماء بتّاً‏‎[3]‎ .

السادس‏ : أن یراد بالمفهوم الموافق بعض هذه الاحتمالات المذکورة‏ ‏، أو جمیعها‏ ‏؛‏‎ ‎‏أی ما لم یکن واقعاً فی محلّ النطق، مع الموافقة بینه وبین المنطوق فی الإیجاب والسلب‏ .

‎ ‎

‎[[page 471]]‎

  • )) الإسراء (17) : 23 .
  • )) قلت : ربما یقال : إنّ المعنی الکنائی یتحقّق بذکر الشیء لغیره ، ولا یکون ملحوظاً بحیاله ، ومقتضی هذا أن لا یکون المنطوق محکوماً بحکم ، فإن کانت استفادة المفهوم بلحاظ الأولویة وأفضل الأفراد ، فیکون حکم هذا القسم مستفاداً من القسم الخامس ؛ وهو ما إذا استفید حکم المفهوم من الأولویة القطعیة ، فلا یکون قسماً علی حدة ، ولا یخفی أنّ الفرق بینهما واضح بعد التدبّر ، فالحری فی عنوان هذا القسم ما أفاده سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ فی المناهج : وهو ما إذا سیق الکلام لأجل إفادة حکم ، فاُتی بأخفّ المصادیق مثلاً للانتقال إلی سائرها، مثل الآیة المتقدّمة إذا کان التلفّظ بکلمة «اُفٍّ» محکوماً بالحرمة. [المقرّرحفظه الله ]
  • )) قلت : إیّاک أن تناقش فی المثال فإنّه لیس من دأب المحصّلین . [ المقرّر حفظه الله ]

انتهای پیام /*