سرّ التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المنفصل المردّد مفهوماً
إذا تحقّق لک سرّ عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المنفصل المبیّن المفهوم ، فحان وقت التنبیه علی سرّ جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المنفصل إذا کان مردّد المفهوم ؛ والسرّ هو أنّ أصالة الجدّ وتطابق الجدّ للاستعمال ، لیست ممّا تعرّض له الکتاب العزیز والسنّة ؛ حتّی یتمسّک بإطلاق الآیة أو الروایة أو عمومهما فی الحکم بجریانها حتّی فی المجملات المفهومیة ونحوها ، بل هی من الاُصول العقلائیة المعتمد علیها فی محاورات أهل العرف وأنظمتهم ، فلابدّ من ملاحظة ما بنوا واستقرّوا علیه ، ومن المعلوم أنّ اعتمادهم وبناءهم علیها ، إنّما هو فی مورد یکون الظهور اللفظی بحاله ، ویشکّ فی تطابقه للجدّ ، وأمّا فی مورد لا یکون هناک من الظهور عین ولا أثر ، فلا مسرح ولا موضع لها أصلاً ، ولذا لا تجری فی الألغاز والمعمّیات ، کما لا تجری فی الرموز والإشارات الخفیة ، نظیر فواتح السور ، فإنّها رموز بینه تعالی وبین رسوله الأکرم صلی الله علیه و آله وسلم فلا مجری لها فی موارد الإجمال المفهومی ، فلابدّ هناک من الأخذ بالقدر المتیقّن .
فعلی هذا لا تجری أصالة الجدّ فیما إذا کان المخصّص المنفصل مجملاً ، بل تنحصر فی العامّ وحده ، فلا وجه لرفع الید عن أصالة الجدّ فی العامّ بالنسبة إلی الفرد المشکوک کونه مصداقاً للخاصّ المجمل؛ بداهة أنّ رفع الید عنها عند ذلک، رفع للید عن الحجّة بلا حجّة.
[[page 376]]ولتوضیح المقال نقول : ربما یشتبه ویختلط الوجدان بالحجّة فیقال : بعد ورود «أکرم العلماء» مثلاً و«لا تکرم فسّاقهم» یقطع بعدم وجوب إکرام فسّاقهم وخروجهم عن إکرام العلماء ، وینحصر الوجوب فی إکرام العالم غیر الفاسق ، أو العادل ، فإن کان الخاصّ مجملاً مفهوماً یصیر العامّ المخصّص مجملاً أیضاً ؛ لأنّه یشکّ فی وجوب إکرام العالم المرتکب للصغیرة ، لعدم اتضاح مفهوم الفاسق .
وفیه : أنّا قد أشرنا إلی أنّ الاُصول العقلائیة المعتمد علیها فی المحاورات العرفیة ـ ومنها أصالة تطابق الجدّ للاستعمال ـ لیست منصوصة فی الشریعة المقدّسة حتّی یؤخذ بإطلاقها أو عمومها ، بل لابدّ فیها من المراجعة إلی بنائهم وما استقرّوا علیه ، ومن المعلوم أنّ بناءهم مقصور علی موارد الظهور ، فیحکمون بتطابق الجدّ للاستعمال فیما إذا کان للّفظ ظهور استعمالی ، وأمّا فیما لا ظهور له أصلاً فلا ، ففی المخصّص المبیّن المفهوم استقرّ فیه تمام مراحل الحجّیة ، ومنها تطابق الجدّ مع الاستعمال فیه ، وتحقّق أیضاً فی العام تمام مراحل الحجّیة ، ویُحتجّ بکلّ منهما ، فتکون هنا حجّتان : «أکرم العلماء» و«لا تکرم الفسّاق منهم» وحیث إنّ الحجّة الثانیة مقدّمة علی الاُولی ـ کما هو واضح ـ فتخصّص الاُولی بها ، وبتخصیصها یستکشف أنّ الإرادة الجدّیة فیها لم تتعلّق بمقدار الخاصّ ، فالفرد المشکوک کونه مصداقاً للخاصّ ، یشکّ فی کونه مصداقاً للمخصّص حتّی یکون تحت الإرادة الجدّیة لحکم العامّ المخصّص ، فحیث لا ترجّح فی البین فلا یکاد یصحّ التمسّک بالعامّ .
وأمّا المخصّص المردّد المفهوم ، فحیث إنّه لم تجر فیه أصالة تطابق الجدّ مع الاستعمال ، لذا تکون أصالة الجدّ فی العامّ سلیمة بلا معارض ، فیصحّ التمسّک بها لتعیین حال الفرد ، فحصل الفرق بینهما ، فتدبّر واغتنم .
[[page 377]]