المختار عدم دخول الغایة فی المغیّا مطلقاً
إذا عرفت ما ذکرنا فنقول : الحقّ عدم دخول الغایة فی المغیّا مطلقاً ، خلافاً لشیخنا العلاّمة الحائری قدس سره حیث فصّل بین کونها غایة للفعل ، کقولنا : «سر من البصرة إلی الکوفة» وبین کونها غایة للحکم ، کقولنا : «صم من الفجر إلی اللیل» فقال بالدخول فی الأوّل دون الثانی ، وقال فی وجهه : «إنّ الظاهر من المثال الأوّل ، دخول جزء من السیر المتخصّص بالکوفة فی المطلوب، کما أنّ الظاهر منه دخول جزء من السیر المتخصّص بالبصرة أیضاً فی المطلوب ، بخلاف المثال الثانی ، فإنّ المفروض أنّها موجبة لرفع الحکم ، فلا یمکن بعثه إلی الفعل المتخصّص بها ، کما لا یخفی» .
وفیه : أنّـه إذا کـان لکلّ من البصرة والکوفـة سور محیط بکلّ منهما ، والمأمور ابتدأ بسیره ملاصقاً لسور بلد البصرة منتهیاً إلی سور بلد الکوفة ؛ من دون أن یدخل شیئاً من البصرة والکوفة فی سیره ، لکان یصدق علیه أنّه سار من البصرة إلی الکوفة.
[[page 307]]یشهد لما ذکرنا قول القارئ : «قرأت القرآن إلی سورة النمل» مثلاً ، حیث لا یکاد یفهم العرف منه أنّه قرأ سورة النمل أو بعضاً منها ، بل یصدق وإن لم یقرأ من تلک السورة شیئاً حتّی بسملتها .
وبالجملة : لا یفهم العرف منه إلاّ انتهاء قرائته إلیها لا قرائتها .
وهکذا الحال فی غیر ذلک من الأمثلة ، وحکم الأمثال فیما یجوز وما لا یجوز واحد ، ولیس ذلک إلاّ لعدم دخول الغایة فی المغیّا ؛ بلا تفاوت عند العرف بین کونها غایة للموضوع والفعل ، أو للحکم ؛ کلّ ذلک للفهم العرفی الذی هو الدلیل الوحید فی أمثال المقام . ولا یکاد یتیسّر لنا إقامة البرهان الفلسفی علیه .
ولا یخفی : أنّ ما ذکرناه فی لفظة «إلی» جارٍ بعینه فی لفظه «حتّی» إذا استعملت فی انتهاء الغایة ، کما فی الآیة المبارکة ، فإنّه لا یفهم منها إلاّ ما یفهم منها فیما إذا أبدلتها إلی قولک : «إلی أن یتبیّن لکم الخیط» کما هو الشأن فی قولک : «نمت البارحة حتّی الصباح» فإنّه لا یفهم منه إلاّ ما یفهم من قولک : «نمت البارحة إلی الصباح» .
نعم ، استعمال «حتّی» فی غیر الغایة کثیر ، ولعلّه صار منشأً للاشتباه حتّی ادعی بعضهم فیها الإجماع علی الدخول .
[[page 308]]