المقدّمة الثانیة : فی المراد من تداخل الأسباب والمسبّبات
المراد بتداخل الأسباب هو عدم اقتضاء الشروط المتعدّدة إلاّ جزاءً واحداً عند اجتماعها ، فلا یقتضی کلّ واحد من الشروط إلاّ إیجاد صِرف طبیعة الجزاء ، فالتکلیف واحد وإن کانت الأسباب متعدّدة، فإذا اجتمعت الجنابة والحیض والنفاس مثلاً ، لما اقتضت إلاّ غسلاً واحداً ، فلا تکون تکالیف متعدّدة مجتمعة فی مصداق واحد ، بل یکون تکلیف واحد وإن تعدّدت الأسباب ، ولذا یکون التداخل عزیمة لا رخصة ، فیقال : لا یجب عند اجتماع الجنابة وغیرها ، إلاّ جزاء واحد وغسل فارد .
والمراد بتداخل المسبّبات ، أنّه بعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب ، بل اقتضاء کلّ واحد من الشروط المتعدّدة جزاء یخصّه ، فیکون هناک تکالیف متعدّدة ، ولکنّه فی مقام الامتثال یکتفی بمصداق واحد ، فذمّة المکلّف وإن اشتغلت بتکالیف متعدّدة ، إلاّ أنّه یصحّ تفریغها عن المتعدّد بمصداق واحد .
وهذا نظیر امتثال الأمرین المتعلّقین بإکرام الهاشمی والعالم بإکرام الهاشمی العالم ، فیتحقّق امتثال کلّ واحد من الأمرین المتعلّقین بإکرام العالم والهاشمی . وهذا المثال وإن کان خارجاً عن محطّ البحث ، إلاّ أنّه یقرّب من وجه .
فحینئذٍ إذا کانت العناوین المکلّف بها قهریة الانطباق علی المصداق ، وکانت التکالیف توصّلیات ، یکون التداخل عزیمة ، وإلاّ یکون رخصة . فتدبّر .
ذکر وتعقیب أفاد المحقّق النائینی قدس سره
أنّه تظهر الثمرة بین القول بتداخل الأسباب والقول بتداخل المسبّبات بالرخصة والعزیمة ؛ فإنّه لو قلنا بتداخل الأسباب فلا یجوز له
[[page 243]]إیجاد الجزاء متعدّداً ، إذ لم تشتغل ذمّته إلاّ بجزاء واحد ، فالزائد یکون تشریعاً محـرّماً ، ولو قلنا بتـداخل المسبّبات فلـه إیجاد الجـزاء متعـدّداً ، ولـه أیضاً الاکتفاء بالواحد .
ولا یخفی : أنّ ما أفاده فی تداخل الأسباب لا غبار علیه . ولکن لابدّ وأن یفصِّل قدس سره فی تداخل المسبّبات بین ما إذا کانت العناوین المکلّف بها قهریة الانطباق علی المصداق کالتکالیف التوصّلیة ، فتکون عزیمة ، وبین ما إذا لم یکن کذلک ، کما إذا کانت تعبّدیة ، فتکون رخصة .
بیان ذلک : هو أنّ التطهیر من الأخباث واجب توصّلی ، فلا یکون المطلوب منه إلاّ تحقّقه کیف اتفق ولو بلا قصد ، فإذا ورد «إن أصاب ثوبک دم فاغسله» و«إن أصابه البول فاغسله» فحیث إنّ العنوانین قهریا الانطباق علی مصداق من الغَسْل ـ بفتح الغین وسکون السین ـ فبعد انطباقهما علیه لا معنی لتکرّره بعد ذلک ؛ لکونه تشریعاً محرّماً ، فتکون عزیمة .
وأمّا فی مثل الغُسل ـ بضمّ الغین وسکون السین ـ فإنّه مطلوب تعبّدی ، فلابدّ فی تحقّقه من قصدها ، فلا یتحقّق کیف اتفق ، فإن قصد تمام العناوین ـ الجنابة والحیض والنفاس ـ تحقّقت ، وإلاّ تحقّق خصوص العنوان المقصود ، ألا تری أنّه إذا قال المولی لعبده : «إن جاءک زید فقم له احتراماً» و«إن جاءک عمرو فقم له احتراماً» فحیث إنّ الاحترام والتعظیم من العناوین القصدیة التی لابدّ فی تحقّقها من القصد إلیها ، فیمکن القیام عند مجیئهما احتراماً لهما ، أو استهزاءً بهما ، أو احتراماً لزید ، واستهزاءً بعمرو ، أو بالعکس ، وکلّ ذلک بالقصد ، وهکذا الحال فی المقام ، فإذا لم یکن
[[page 244]]قهری الانطباق فله الاکتفاء بمصداق واحد من الغُسل مثلاً بنیة المجموع ، أو مصادیق متعدّدة حسب تعدّد الأسباب ، فتدبّر .
[[page 245]]