المقصد الثانی فی النواهی

الجهة الثانیة‏: فی حکم النهی المتعلّق بالمعاملة

کد : 148864 | تاریخ : 04/02/1394

الجهة الثانیة : فی حکم النهی المتعلّق بالمعاملة

‏ینبغی قبل ذکر حالات النهی المتعلّق بالمعاملة‏ ‏، الإشارة إلی ما أفاده المحقّق‏‎ ‎‏النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی المقام ووجه ضعفه‏ ‏؛ ثمّ تعقیبه بما ینفع المقام‏ .

قال ما حاصله :‏ أنّ النهی المتعلّق بالمعاملة إذا کان تحریمیاً‏ ‏، فتارة : یتعلّق‏‎ ‎‏بالسبب‏ ‏، واُخری : بالمسبّب‏ ‏، وثالثة : بالآثار المترتّبة علی المسبّب‏ ‏، کالتصرّف فی الثمن‏‎ ‎‏والمثمن‏ ‏، وغیر ذلک من الآثار المترتّبة علی المعاملة‏ .

‏والتعبیر بـ‏ ‏«السبب» و«المسبّب» لا یخلو من مسامحة‏ ‏؛ لأنّه لیس باب العقود‏‎ ‎‏والإیقاعات باب الأسباب والمسبّبات‏ ‏، بل هی من باب الإیجادیات‏ ‏، والإیجاب‏‎ ‎‏والقبول بمنزلة الآلة لذلک‏ .

‏والمراد من تعلّق النهی بالسبب‏ ‏، تعلّقه بالإیجاد بمعناه المصدری‏ ‏، ویکون المنهی‏‎ ‎‏عنه إیجاد المعاملة وإنشاءها والاشتغال بها‏ ‏، کالبیع وقت النداء‏ ‏، حیث إنّ المحرّم‏‎ ‎‏الاشتغال بالبیع وقت النداء‏ ‏، لا النقل والانتقال‏ .

‏کما أنّ المراد من تعلّقه بالمسبّب‏ ‏، تعلّقه بالموجد بمعناه الاسم المصدری‏ ‏، ویکون‏‎ ‎‏المحرّم والمبغوض هو المنشأ والنقل والانتقال‏ ‏، کبیع المصحف من الکافر‏ ‏، حیث إنّ‏‎ ‎‏المبغوض نقل المصحف من الکافر‏ ‏، لا إنشاء النقل‏ ‏، ومبغوضیة الإنشاء لمکان ما‏‎ ‎‏یستتبعه من الأثر‏ .


‎[[page 167]]‎فإن‏ تعلّق النهی بالمعاملة بالمعنی المصدری‏ ‏، فهو لا یقتضی الفساد‏ ‏؛ لعدم‏‎ ‎‏الملازمة بین حرمة الإیجاد ومبغوضیة الموجد وعدم تحقّقه‏ .

وأمّا‏ لو تعلّق النهی بالمعاملة بالمعنی الاسم المصدری‏ ‏، فیقتضی الفساد‏ ‏؛ لخروج‏‎ ‎‏المنشأ حینئذٍ عن تحت سلطانه‏ ‏، ولا قدرة علیه فی عالم التشریع‏ ‏، والمانع الشرعی‏‎ ‎‏کالمانع العقلی‏ .

‏وبالجملة : الأمر والنهی الشرعیان‏ ‏، موجبان لخروج متعلّقهما عن سلطنة‏‎ ‎‏المکلّف‏ ‏، ویکون فی عالم التشریع مقهوراً علی الفعل أو الترک‏ ‏. ومن هنا کان أخذ‏‎ ‎‏الاُجرة علی الواجبات غیر النظامیة حراماً‏ ‏؛ لخروج الفعل بالإیجاب الشرعی عن‏‎ ‎‏تحت قدرته وسلطانه‏ ‏، فلا یمکنه تملیکه إلی الغیر لیأخذ الاُجرة علیه‏ .

‏نعم‏ ‏، فی الواجبات النظامیة حیث تعلّق الإیجاب بالمعنی المصدری‏ ‏، فیجوز‏‎ ‎‏أخذ الاُجرة علی عمله‏ ‏، فإذا تعلّق النهی بنفس العمل‏ ‏، فإنّه یخرج عن تحت سلطانه‏ ‏،‏‎ ‎‏ویکون النهی مخصّصاً لعموم «‏الناس مسلّطون علی أموالهم» . . ‏. إلی أن قال : هذا‏‎ ‎‏إذا تعلّق النهی بنفس المنشأ‏ ‏، وأمّا إذا تعلّق بآثاره ـ کقوله : «ثمن العذرة» أو‏‎ ‎‏«الکلب سحت» ـ فهو یکشف أیضاً إنّاً عن عدم ترتّب المنشأ وعدم تحقّقه‏‎[1]‎ ‏،‏‎ ‎‏انتهی ملخّصاً‏ .

وفیه أوّلاً :‏ أنّه لا إشکال فی أنّ وجوب شیء أو حرمته‏ ‏، لا یوجب سلب‏‎ ‎‏السلطنة التکوینیة والمقهوریة التکوینیة‏ ‏، بل غایة ما یقتضیانه هی أنّه بوجوب‏‎ ‎‏الشیء علی المکلّف‏ ‏، لا یجوز ترکه‏ ‏، کما أنّه بحرمة شیء علیه لا یجوز فعله‏ ‏، وحینئذٍ‏‎ ‎‏فلو اُرید بسلب السلطنة والمقهوریة هو هذا المعنی ـ ولا معنی لهما غیره ـ فهو عبارة‏
‎[[page 168]]‎‏اُخری عن الوجوب والحرمة‏ ‏، فتعلیل عدم جواز أخذ الاُجرة بذلک مصادرة‏ ‏؛ لأنّ‏‎ ‎‏المدّعی هو أنّه إذا وجب شیء علی المکلّف‏ ‏، لا یجوز أخذ الاُجرة علیه‏ ‏، ویوجب‏‎ ‎‏فساده‏ ‏، ودلیله هو أنّه بوجوب شیء علیه یلزم أحد الطرفین‏ ‏، ولا یجوز الآخر‏ ‏،‏‎ ‎‏فتسلب القدرة وإمکان الترک‏ ‏، ویقهر علی الفعل‏ ‏، ومن المعلوم أنّ سلب القدرة‏‎ ‎‏تشریعاً عبارة اُخری عن وجوبه‏ ‏، وهو أوّل الکلام‏ ‏، فیکون مصادرة‏ .

‏وفیما نحن فیه یکون المدّعی : هو أنّه إذا حرمت المعاملة بالمعنی الاسم‏‎ ‎‏المصدری‏ ‏، فمقتضاه فساد المعاملة‏ ‏، ودلیله هو أنّ حرمتها توجب خروجها عن تحت‏‎ ‎‏سلطانه‏ ‏، ویسلب عنه إمکان الفعل‏ ‏، ومن المعلوم أنّه عبارة اُخری عن الحرمة‏ ‏، وهی‏‎ ‎‏أوّل الکلام‏ ‏، فتکون مصادرة‏ .

وثانیاً :‏ لو سلّم أنّ المانع الشرعی کالمانع العقلی‏ ‏؛ وأنّه بوجوب شیء أو‏‎ ‎‏حرمته یسلب إمکان الفعل أو الترک‏ ‏، لتوجّه علیه : أنّه لا وجه للتفرقة والقول‏‎ ‎‏بالفساد لو تعلّق النهی بالمعنی الاسم المصدری‏ ‏، والقول بعدم الفساد لو تعلّق النهی‏‎ ‎‏بالمعنی المصدری‏ ‏؛ لأنّه بوجوبه أو حرمته بالمعنی المصدری‏ ‏، أیضاً تسلب القدرة فی‏‎ ‎‏عالم التشریع‏ ‏، کما تسلب بتعلّقه بالمعنی الاسم المصدری‏ .

وکیف کان :‏ فلنعد إلی موضوع البحث فنقول : لیس المراد بـ‏ ‏«السبب» أو‏‎ ‎‏«المسبّب» ما یتبادر منهما فی التکوینیات‏ ‏؛ بحیث تکون المعاملة السببیة لها نحو تأثیر‏‎ ‎‏مثل الأسباب التکوینیة‏ ‏، حتّی یقال فی جواب من أشکل : بأنّ المعاملة غیر مقدورة‏‎ ‎‏للشخص‏ ‏، فکیف یصحّ تعلّق النهی بها؟! إنّ المعاملة المسبّبیة مقدورة للشخص‏‎ ‎‏بلحاظ القدرة علی سببها‏ ‏، کما یقال ذلک ویصحّ فی الأسباب التکوینیة‏ .

‏بل المراد بـ‏ ‏«السبب» هو کون تلک الألفاظ موضوعة لاعتبار العقلاء الممضی‏‎ ‎‏لدی الشرع‏ ‏، فمن أنشأ التملیک للغیر بعوض مع ما یعتبرونه بشرط لحوق القبول‏ ‏،‏
‎[[page 169]]‎‏یعتبرون عند ذلک تملّک القابل للعرض والمتاع‏ ‏، وتملّک الموجب للثمن‏ ‏، فلم یکن‏‎ ‎‏فی البین فعل تسبیبی حتّی یقال بعدم کونه تحت اختیاره‏ .

‏نعم‏ ‏، یمکن أن یکون تحت اختیاره بمعنی آخر‏ ‏؛ بلحاظ إیجاده ما هو موضوع‏‎ ‎‏اعتبار العقلاء‏ ‏، فیمکن تعلّق النهی بالمسبّب بلحاظ إیجاد الشخص ما یکون موضوعاً‏‎ ‎‏لاعتبار المبغوض عندهم‏ ‏، فیکون النهی عنه بنحو من الاعتبار‏ .

‏إذا تمهّد لک ما ذکرنا فنقول : إنّ النهی المتعلّق بالمعاملة یتصوّر علی أنحاء‏ ‏،‏‎ ‎‏بعضها خارج عن موضوع تعلّق النهی بالمعاملة‏ ‏، ولکن نشیر إلیه أیضاً إیضاحاً‏‎ ‎‏للمقال‏ ‏؛ وذلک لأنّ النهی :‏

‏تارة : یتعلّق بألفاظ المعاملة‏ ‏، لا بما هی سبب للنقل والانتقال‏ ‏، بل بما أنّها‏‎ ‎‏ألفاظ خاصّة‏ .

‏واُخری : یتعلّق بها بما أنّها أسباب وآلات خاصّة للنقل والانتقال‏ .

‏وثالثة : یتعلّق بالمسبّب‏ .

‏ورابعة : یتعلّق بالتسبّب بهذا السبب الخاصّ‏ ‏، فلا یکون السبب مبغوضاً‏ ‏، کما‏‎ ‎‏أنّ المسبّب لم یکن مبغوضاً‏ ‏، بل التسبّب بهذا السبب‏ ‏، کالظهار‏ ‏، فإنّ مفارقة الزوجة‏‎ ‎‏لیس مبغوضاً فی الجملة‏ ‏، إلاّ أنّ التوسّل بالظهار مبغوض فی نظر الشارع‏ ‏، ولعلّه یمکن‏‎ ‎‏إرجاعه بنحو إلی السبب بما هو سبب‏ .

‏وخامسة : یتعلّق بأنحاء التصرّفات التی تترتّب علی المعاملة‏ .

‏ولا یخفی : أنّ النهی المتعلّق بألفاظ المعاملة بما أنّها ألفاظ خاصّة‏ ‏، خارج‏‎ ‎‏عن موضوع تعلّق النهی بالمعاملة‏ ‏، کما أنّ النهی المتعلّق بأنحاء التصرّفات أیضاً‏‎ ‎‏خارج‏ ‏؛ لکونه نهیاً عن الآثار‏ ‏، لا عن المعاملة نفسها‏ ‏، فلو قلنا : إنّه فعل تسبیبی‏‎ ‎‏للشخص فمعنی النهی عنه النهی عن إیجاد المبادلة خارجاً‏ ‏، وأمّا علی ما ذکرناه‏
‎[[page 170]]‎‏فمعناه النهی عن الإنشاء بهذه الألفاظ‏ ‏؛ لمبغوضیة حصول التملیک والتملّک بها‏ .

‎ ‎

‎[[page 171]]‎

  • )) فوائد الاُصول 1 : 471 ـ 473 .

انتهای پیام /*