المقصد الثانی فی النواهی

الجهة الاُولی‏: فی حکم النهی المتعلّق بالعبادة

کد : 148866 | تاریخ : 04/02/1394

الجهة الاُولی : فی حکم النهی المتعلّق بالعبادة

‏لو تعلّق النهی بالعبادة واُحرز کون النهی للإرشاد إلی الفساد‏ ‏، فلا إشکال ـ بل‏‎ ‎‏ولا کلام ـ فی اقتضاء النهی الإرشادی للفساد‏ .

وإن اُحرز کون النهی تحریمیاً نفسیاً ‏، فتصدّی شیخنا العلاّمة الحائری ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏لتصحیح العبادة المنهی عنها بإرجاع النهی إلی خصوصیة العبادة‏ ‏، کما هو الشأن فی‏‎ ‎‏مسألة اجتماع الأمر والنهی‏ ‏، وقد أتعب نفسه الزکیة فی ذلک‏ ‏، وحاصل ما أفاده : هو‏‎ ‎‏تعلّق النهی بأمر خارج عن الصلاة‏ ‏؛ قیاساً للمقام علی مسألة اجتماع الأمر والنهی‏ ‏،‏‎ ‎‏فکما أنّه فی مسألة الاجتماع یصحّ القول بإمکان اتحاد عنوان المبغوض مع عنوان‏‎ ‎‏المقرّب‏ ‏، فکذا فی المقام من دون تفاوت‏ ‏، فإنّ أصل الصلاة شیء‏ ‏، وخصوصیة إیقاعها‏‎ ‎‏فی مکان شیء آخر مفهوماً وإن کانا متحدین فی الخارج‏ ‏، فالعمل المشتمل علی‏‎ ‎‏الخصوصیة‏ ‏، موجب للقرب من حیث ذات العمل وإن کان إیجاده فی تلک الخصوصیة‏‎ ‎‏مبغوضاً للمولی‏‎[1]‎ .


‎[[page 163]]‎وأنت خبیر :‏ بأنّ ما ذکره خارج عن محطّ البحث‏ ‏؛ لأنّ محطّ البحث هو فیما إذا‏‎ ‎‏تعلّق النهی النفسی التحریمی بذات العبادة‏ ‏، لا بأمر خارج عنها‏ ‏، فمرکز الأمر والنهی‏‎ ‎‏فی هذه المسألة واحد‏ ‏، بخلافه فی مسألة الاجتماع‏ ‏، فإنّ مرکز تعلّق أحدهما غیر الآخر‏‎ ‎‏وإن اتحدا خارجاً‏ ‏، وعلیه فلو تعلّق النهی النفسی التحریمی بعبادة‏ ‏، فلا ینبغی‏‎ ‎‏الإشکال فی أنّه یقتضی فسادها‏ ‏؛ لأنّ صحّة العبادة إمّا لأجل موافقتها للأمر‏ ‏، أو‏‎ ‎‏الشریعة‏ ‏، وبتعلّق النهی بها یکشف عن مبغوضیة فعلیة ذاتیة فی متعلّقه‏ ‏، ومن الواضح‏‎ ‎‏عدم صلاحیة ما هو المبغوض ذاتاً للتقرّب به مع وحدة الحیثیة‏ ‏، فتقع فاسدة‏ .

ولو اُحرز کون النهی تنزیهیاً نفسیاً ‏، فالأمر کذلک‏ ‏؛ لأنّ بقاء النهی علی‏‎ ‎‏تنزیهیته ودلالته علی مرجوحیة متعلّقه‏ ‏، لا یجتمع مع الصحّة‏ ‏؛ فإنّه إذا کان الشیء‏‎ ‎‏مرجوحاً ومکروهاً ـ بالمعنی المصطلح للکراهة ـ لا یکون محبوباً‏ ‏، کما لا یکون‏‎ ‎‏مبغوضاً‏ ‏، وقد عرفت مصحّح عبادیة العبادة‏ .

‏وبعبارة اُخری : إذا اُحرز کون النهی تنزیهیاً‏ ‏، فلا یکاد یفرّق فی حکم العقل‏‎ ‎‏بینه وبین النهی التحریمی فی دلالته علی الفساد‏ ‏؛ حیث إنّ النهی التنزیهی یدلّ علی‏‎ ‎‏مرجوحیة متعلّقه ومطلوبیة ترکه، ولا یصلح المرجوح لأن یتقرّب به العبد إلی مولاه.‏

هذا‏ إذا لم نقل برجوع النهی التنزیهی إلی أقلّیة الثواب‏ ‏، وأمّا إن قلنا برجوعه‏‎ ‎‏إلیها کما لعلّه کذلک بالنظر العرفی‏ ‏؛ بلحاظ أنّ الکراهة بما أنّها کراهة‏ ‏، لا تمنع عن إیجاد‏‎ ‎‏متعلّقها‏ ‏، فإذا تعلّقت ببعض أفراد العبادة الواجبة‏ ‏، تصیر إرشاداً إلی کون هذا الفرد‏‎ ‎‏أقلّ ثواباً من غیره‏ .

‏وبالجملة : إنّ النهی التنزیهی حیث یکون متضمّناً للرخصة فی الفعل‏ ‏،‏‎ ‎‏فالعرف یأوّله إلی ما یمکن معه فرض الصحّة‏ ‏، کالإرشاد إلی أنّ هذا الفرد أقلّ ثواباً‏‎ ‎‏من الغیر‏ ‏، أو غیر ذلک‏ .


‎[[page 164]]‎ولکن لا یخفی :‏ أنّه علی هذا یکون خارجاً عن محطّ البحث‏ ‏؛ لأنّ المفروض‏‎ ‎‏کون النهی التنزیهی متعلّقاً بذات الصلاة‏ .

‏وتوهّم : أنّ العبادة لا تجتمع مع النهی بقسمیه‏ ‏، مدفوع بما أشرنا إلیه من أنّ‏‎ ‎‏المراد بـ‏ ‏«العبادة» هی التی لولا النهی تکون صالحة للتقرّب بها وأن یُتعبَّد بها‏ ‏، لا‏‎ ‎‏العبادة الفعلیة‏ ‏، فتجتمع العبادة مع النهی‏ .

نعم ‏، یتوجّه إشکال أنّ النهی التنزیهی ـ بمعناه الاصطلاحی ـ حیث یکون‏‎ ‎‏مقتضاه ترخیص الشارع بالتعبّد‏ ‏، فکیف یمکن الترخیص فی التعبّد بأمر مرجوح؟!‏‎ ‎‏وهل هذا إلاّ الترخیص بالتشریع؟!‏

ولکنّه یندفع :‏ بأنّ الترخیص حیثی مفاده : أنّه لیس لنهی الشارع تنزیهیاً‏ ‏،‏‎ ‎‏حرمـة ذاتیـة مـن جهـة تعلّق هذا النهی‏ ‏، ولا ینافی الحرمة مـن قبل التشریع أو‏‎ ‎‏غیره‏ ‏، فتأمّل‏ .

ولو اُحرز کون النهی مقدّمیاً ‏، غیریاً أو تبعیاً‏ ‏، أو هما معاً‏ ‏، کما إذا قلنا بأنّ ترک‏‎ ‎‏الضدّ واجب من باب المقدّمة‏ ‏، أو قلنا بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه‏ ‏،‏‎ ‎‏فالأمر بإزالة النجاسة عن المسجد وإن جامعه نهی عن الصلاة بالأمر المقدّمی أو‏‎ ‎‏التبعی‏ ‏، إلاّ أنّه لا یقتضی فسادها‏ ‏؛ لأنّ النهی الغیری أو التبعی لا یکشف عن مفسدة‏‎ ‎‏ومبغوضیة متعلّقه‏ ‏، فعند تعلّق النهی بالصلاة یکون ملاک الصلاة باقیاً‏ ‏، ولا تکون‏‎ ‎‏مبغوضة ذاتاً‏ ‏، وغایة ما هناک هو الالتزام بترکها لأجل ترک ضدّه‏ ‏، فمع القول بکفایة‏‎ ‎‏الملاک فی صحّة العبادة‏ ‏، یصحّ التقرّب بالمنهی عنه بالنهی الغیری أو التبعی‏ .

‏ولتوضیح أنّ النهی الغیری لا یکشف عن فساد متعلّقه ـ کما أنّ الأمر الغیری‏‎ ‎‏لا یکشف عن مصلحة فی متعلّقه ـ نقول : إنّه إذا أشرف ولد عزیز علی المولی وأخ‏‎ ‎‏له علـی الغرق‏ ‏، فتری أنّـه یتوجّـه أوّلاً إلی ولده ویأمر عبـده بإنقاذه‏ ‏، وینهی عبده‏
‎[[page 165]]‎‏ـ غیر القادر علی إنقاذهما معاً ـ عن إنقاذ أخیه‏ ‏، مع أنّ نهیه لیس لعدم المصلحة فی‏‎ ‎‏إنقاذ أخیه‏ ‏، بل لأقوائیة مصلحة إنقاذ ولده العزیز وصرف القدرة إلی ما یکون أقوی‏‎ ‎‏وأولی‏ ‏. هذا فی متعلّق النهی الغیری‏ .

وهکذا‏ الحال فی الأمر الغیری‏ ‏؛ لأنّ الأمر بسلوک طریق لإتیان واجب‏‎ ‎‏لا یکشف عن مصلحة فی متعلّقه‏ ‏، بل ربما یکون مبغوضاً فی حدّ نفسه‏ ‏، إلاّ أنّه‏‎ ‎‏للوصول إلی الواجب یکون مأموراً به‏‎[2]‎ .

إن قلت :‏ لا إشکال فی تعلّق النهی ـ ولو غیریاً ـ بالعبادة‏ ‏، وبإتیانه الفعل المنهی‏‎ ‎‏عنه یکون متجرّیاً‏ ‏، فیکون الفاعل بذلک بعیداً عن ساحة المولی‏ ‏، فلا یصلح التقرّب‏‎ ‎‏به‏ ‏، فمقتضی تعلّق النهی الغیری هو فساد العبادة‏ .

قلت :‏ عصیان الفاعل إنّما هو لترک الضدّ الأهمّ‏ ‏، لا لفعل المهمّ‏ ‏، فلیس فی فعله‏‎ ‎‏تجرٍّ‏ ‏؛ ضرورة أنّ التجرّی علی المولی فی المثال المعروف‏ ‏، إنّما هو بترک الإزالة المأمور‏‎ ‎‏بها‏ ‏، لا بفعل الصلاة‏ ‏، بل لا ارتباط له بها‏ ‏، وإلاّیلزم القول ببطلان صلاة من تجرّأ‏‎ ‎‏وأفسد صومه‏ ‏، مع أنّه واضح الفساد‏ .

‏وحدیث انطباق الأمر الغیری ـ أعنی ترک الأهمّ ـ علی الأمر الوجودی‏ ‏،‏‎ ‎‏قد عرفت حاله‏ .

‏مضافاً إلی أنّه لو سلّم أنّ العصیان یتحقّق بنفس إتیان المهمّ‏ ‏، نقول : لا دلیل‏
‎[[page 166]]‎‏علی أنّ التجرّی موجب للفساد‏ ‏؛ لأنّ الجرأة والجسارة عنوان لا یکاد تسری‏‎ ‎‏مبغوضیته إلی نفس الفعل‏ ‏، وکون العبد بعیداً عن ساحة المولی بجرأته لا یوجب البعد‏‎ ‎‏بعمله‏ ‏، بل بجرأته وجسارته‏ ‏، وهو عنوان آخر لا تسری المبغوضیة منه إلی الفعل‏ ‏.‏‎ ‎‏هذا حال إحراز النهی المتعلّق بالعبادة‏ .

‎[[page 167]]‎

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 187 ـ 188 .
  • )) قلت : وممّا ذکرنا تعرف أنّ ما اشتهر بینهم من لزوم اشتمال متعلّقات الواجبات والمحرّمات علی مصالح ومفاسد ، غیر مستقیم علی إطلاقه ، وإنّما الواجد لهما هو الأوامر والنواهی النفسیة ، وأمّا النواهی والأوامر الغیریة فلا تکشف الاُولی عن مبغوضیة فی متعلّقها ، کما لا تکشف الثانیة عن مصلحة فی متعلّقها . اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ مراد المشهور بواجدیة الأحکام للمصالح والمفاسد ، إنّما هو فی النفسی منهما ، لا مطلقاً . [ المقرّر حفظه الله ]

انتهای پیام /*