المقصد الثانی فی النواهی

عدم کون الخروج من الأرض المغصوبة واجباً

کد : 148923 | تاریخ : 04/02/1394

عدم کون الخروج من الأرض المغصوبة واجباً

أمّا الدعوی الاُولی : ‏وهی عدم کون الخروج من الأرض المغصوبة واجباً‏ ‏؛‏‎ ‎‏فلأنّه یمکن هنا اعتبار عناوین متعدّدة‏ ‏، کعنوان وجوب التخلّص من الغصب‏ ‏،‏‎ ‎‏ووجوب الخروج منه‏ ‏، وترک الغصب‏ ‏، وترک التصرّف فی مال الغیر‏ ‏، وردّ المال إلی‏‎ ‎‏صاحبه‏ ‏، ولا ریب فی أنّ وجوب إحدی هذه العناوین شرعاً‏ ‏، لابدّ وأن یکون بدلالة‏‎ ‎‏الدلیل‏ ‏، وإلاّ فلا یکاد یمکن إثباتها بعناوینها بمجرّد حرمة التصرّف فی مال الغیر بغیر‏‎ ‎‏رضاه‏ ‏، أو حرمة الغصب‏ .


‎[[page 115]]‎ولا یخفی :‏ أنّ من لاحظ الکتاب والسنّة وتأمّل فیهما‏ ‏، یری بالعیان أنّ الثابت‏‎ ‎‏فی الدین هو حرمة عنوان «الغصب» وحرمة التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه‏ ‏، وأمّا‏‎ ‎‏غیرهما من العناوین المومأ إلیها‏ ‏، فلم یرد من الشرع ما یدلّ علی وجوبها بعناوینها‏ ‏؛‏‎ ‎‏بحیث یکون عنوان التخلّص من الغصب بعنوانه مثلاً ـ وکذا غیره من العناوین ـ‏‎ ‎‏واجباً شرعیاً‏ .

وأمّا‏ ما ورد : من أنّ ‏«المغصوب کلّه مردود»‎[1]‎‏ فهو إرشاد إلی حرمة‏‎ ‎‏التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه‏ ‏، ولیس بصدد إفادة وجوب عنوان ردّ المغصوب‏‎ ‎‏بعنوانه‏ ‏، بل لمّا کان الغصب والتصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه حراماً‏ ‏، یردّ المغصوب‏‎ ‎‏إلی صاحبه تخلّصاً من الحرام عقلاً‏ ‏، فهو إرشاد إلیه‏ .

‏ولا یمکن استفادة وجوب ذاک العنوان من قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«علی الید ما أخذت‎ ‎حتّی تؤدّی»‎[2]‎ ‏؛ لأنّ الکلام فی الحکم الشرعی التکلیفی‏ ‏، وظاهر الحدیث ـ کما قرّر‏‎ ‎‏فی محلّه‏‎[3]‎‏ ـ هو دلالته علی الضمان الذی هو حکم وضعی‏ ‏؛ وهو أنّ من استولی بیده‏‎ ‎‏علی مال الغیر عدواناً‏ ‏، یکون ضامناً حتّی یؤدّیه‏ ‏، ولا ملازمة بین ثبوت الضمان‏‎ ‎‏ووجوب الردّ حتّی یکون علی من غصب مالاً تکلیفان وسؤالان : أحدهما : لمَ‏‎ ‎‏غصبت؟ والآخر : لمَ لم تردّ المال المغصوب إلی صاحبه‏‎[4]‎ ‏؟ والتفصیل یطلب من محلّه‏ .


‎[[page 116]]‎‏وبالجملة : لم یثبت من الشرع وجوب أحد هذه العناوین‏ ‏، فلا یتصف‏‎ ‎‏بالوجوب خروج من توسّط أرضاً مغصوبة‏ .

نعم ، ربما یتوهّم وجوبه الغیری التبعی ‏؛ بتقریب أنّه کما قالوا : «إنّ الأمر‏‎ ‎‏بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه» فکذلک نقول : إنّ النهی عن الشیء یقتضی وجوب‏‎ ‎‏ضدّه‏ ‏، وهو هنا ترک التصرّف‏ ‏، فیجب عنوان «ترک التصرّف» فلو انضمّ إلیه وجوب‏‎ ‎‏مقدّمة الواجب‏ ‏، یکون الخروج من الأرض الغصبیة ـ الذی هو مقدّمة لترک‏‎ ‎‏التصرّف‏ ‏ـ واجباً‏ .

‏وبالجملة : إذا کان التصرّف فی مال الغیر حراماً‏ ‏، یکون ترک التصرّف واجباً‏ ‏،‏‎ ‎‏والخروج من الأرض المغصوبة مقدّمة لترکه‏ ‏، فیکون واجباً‏ .

ولکن فیه أوّلاً :‏ أنّ الأمر فی المقیس علیه ممنوع‏ ‏؛ لما ذکرنا فی محلّه ـ لعلّه‏‎ ‎‏بما لا مزید علیه ـ من أنّ الأمر بالشیء لا یدلّ علی النهی عن ضدّه العامّ‏ ‏، فضلاً‏‎ ‎‏عن ضدّه الخاصّ‏‎[5]‎‏، فما ظنّک فی المقیس!! کما قلنا فی محلّه : إنّ مقدّمة الواجب‏‎ ‎‏لیست بواجبة‏‎[6]‎ .

وثانیاً :‏ لو سلّم ذلک وقلنا : إنّ ترک التصرّف فی مال الغیر واجب‏ ‏، ولکن‏‎ ‎‏لا یکون التصرّف الخروجی مقدّمة له‏ ‏، بل غایته أنّ الخروج مقدّمة للکون فی‏‎ ‎‏خارج الدار‏ ‏، نعم بعد الخروج من الدار وکونه خارج الدار‏ ‏، ینتزع منه ترک التصرّف‏‎ ‎‏فیها‏ ‏، فتدبّر‏ .

وثالثاً :‏ أنّ مدّعی وجوب ترک التصرّف‏ ‏، یری أنّ وجوبه شرعی یستحقّ‏‎ ‎
‎[[page 117]]‎‏تارکه العقاب‏ ‏، وواضح أنّ وجوب المقدّمة لا یکون بتلک المثابة‏ ‏؛ لأنّه للغیر‏ ‏،‏‎ ‎‏ولا یستحقّ تارک المقدّمة عقاباً من أجل ترکها‏ .

ورابعاً :‏ لو سلّم أنّ مقدّمة الواجب واجبة شرعاً‏ ‏، ولکن لا یصحّ أن تکون‏‎ ‎‏مقدّمة الحرام حراماً‏ .

‏فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ الخروج من الدار المغصوبة‏ ‏، لا یکون مأموراً به بالأمر‏‎ ‎‏النفسی الاستقلالی‏ ‏، ولا بالأمر الغیری التبعی‏ .

‏هذا کلّه بالنسبة إلی الدعوی الاُولی‏ ‏؛ وهی عدم وجوب الخروج من الأرض‏‎ ‎‏المغصوبة‏ .

وأمّا الدعوی الثانیة ‏: وهی کون الخروج حراماً فعلاً مطلقاً‏ ‏؛ أی‏ ‏: سواء کان‏‎ ‎‏الدخول فیها بسوء اختیاره‏ ‏، أم لا فأمر سهل بعد المراجعة إلی وضع القوانین فی الاُمم‏‎ ‎‏المتمدّنة‏ ‏، ناهیک عن القوانین المجعولة فی البرلمان الإیرانی‏ ‏، وهو بمرأی منک ومسمع‏ ‏،‏‎ ‎‏فتراهم یضعون قانوناً لمنع استعمال الموادّ المخدّرة مثلاً‏ ‏؛ وأنّ من ارتکبها فعلیه کذا‏‎ ‎‏وکذا‏ ‏، وربما لا یستثنون ذوی الأعذار من تحته‏ ‏، بل ینشئون الحکم علی کلّ من‏‎ ‎‏استعمل الموادّ المخدّرة کائناً من کان‏ ‏، وبعد یسیر القانون مجراه الطبیعی إلی أن یصیر‏‎ ‎‏حکماً فعلیاً لازم الإجراء‏ ‏، فیکون حکماً فعلیاً لعامّة أفراد المملکة‏ ‏، فمن ارتکب بعد‏‎ ‎‏ذلک المادّة المخدّرة ـ کائناً من کان ـ فقد ارتکب أمراً ممنوعاً‏ ‏، ولکنّه مع ذلک کلّه‏‎ ‎‏یفرّقون بین من ارتکبها لا لعذر‏ ‏، وبین من ارتکبها لعذر من نسیان‏ ‏، أو غفلة‏ ‏، أو‏‎ ‎‏خوف موت فی ترکها‏ ‏، ولا یرون عقاباً لمن ارتکبها لعذر‏ ‏، ویعدّونه معذوراً‏ ‏، بخلاف‏‎ ‎‏من ارتکبها لا لعذر فیعاقبونه‏ .

والسرّ فی ذلک‏ ما تکرّر منّا من أنّ الخطابات القانونیة تفارق الخطابات‏‎ ‎‏الشخصیة خطاباً وملاکاً‏ ‏؛ لأنّ الخطاب القانونی خطاب واحد متعلّق بعنوان واحد‏ ‏،‏‎ ‎
‎[[page 118]]‎‏ولا ینحلّ إلی خطابات عدیدة بعدد الأفراد‏ ‏؛ حتّی یلزم ملاحظة حالات کلّ واحد‏‎ ‎‏منهم‏ ‏، کما یکون الأمر کذلک فی الخطابات الشخصیة‏ ‏، ولا یعتبر إمکان انبعاث جمیع‏‎ ‎‏الأفراد فی صحّة مخاطبتهم‏ ‏، بل یکفی انبعاث عدّة منهم فی الأعصار والأمصار‏ ‏، بخلاف‏‎ ‎‏الخطاب الشخصی‏ ‏. هذا حال القوانین الموضوعة عند العرف والعقلاء‏ ‏، ولعلّه واضح‏‎ ‎‏لا یحتاج إلی مزید بیان‏ .

والقوانین المجعولة‏ شرعاً کذلک‏ ‏، إذ لم یتخطّ الشارع عمّا هم علیه إلاّ فی‏‎ ‎‏بعض الموارد‏ ‏، وهو مرهون بدلالة الدلیل‏ ‏، کما فی «‏رفع . . . ما لا یعلمون»‎[7]‎ ‏، فنقول :‏‎ ‎‏حرم فی الشریعة الغرّاء المحمّدیة أکل المیتة وشرب الخمر مثلاً‏ ‏، فأکل المیتة وشرب‏‎ ‎‏الخمر ممنوعان شرعاً‏ ‏، ویکون حکم الحرمة علیهما فعلیاً‏ ‏، ولازم الإجراء‏ ‏، فکلّ‏‎ ‎‏من ارتکبهما فقد ارتکب الممنوع والمحرّم شرعاً‏ ‏، فإن ارتکبهما لا لعذر یکون‏‎ ‎‏المرتکب مستحقّاً للعقاب‏ ‏؛ لمخالفتـه الحکم الفعلی‏ ‏، وأمّا لو ارتکبهما لعـذر یکون‏‎ ‎‏معذوراً عند العقل‏ .

‏ففیما نحن فیه حرّم ‏‏علیه السلام‏‏ التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه بقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : «‏لا یحلّ‎ ‎لأحدٍ أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه»‎[8]‎‏ من غیر لحاظ حالات کلّ واحد من‏‎ ‎‏المکلّفین‏ ‏، وصحّة الخطاب القانونی‏ ‏، لا تتوقّف علی صحّة الباعثیة بالنسبة إلی جمیع‏‎ ‎‏الأفراد‏ ‏؛ لأنّ الخطاب القانونی لم یقیّد بالقادر العالم الملتفت‏ ‏؛ لا من ناحیة الحکم‏‎ ‎‏الشرعی‏ ‏، ولا من ناحیة العقل‏ ‏، نعم العقل یحکم بمعذوریة المکلّف فی بعض الأحیان‏ ‏،‏‎ ‎‏فالحکم بعدم جواز التصرّف فی مال الغیر‏ ‏، حکم فعلی تعلّق بعنوانه غیر مقیّد بحال‏‎ ‎
‎[[page 119]]‎‏من الأحوال‏ ‏، ولکنّ العقل یحکم بمعذوریة العاجز إذا طرأ علیه العجز لا بسوء‏‎ ‎‏اختیاره‏ ‏، وأمّا معه فلا یراه معذوراً فی المخالفة‏ .

‏وإن شئت مزید توضیح فنقول : إنّ المقام داخل فی باب الأعذار العقلیة‏ ‏،‏‎ ‎‏لا باب رفع الأحکام عند الأعذار‏ ‏، ولتوضیح الفکرة نمثّل لک بمثال‏ ‏؛ فافترض أنّ ابناً‏‎ ‎‏عزیزاً علی المولی أشرف علی الغرق‏ ‏، فمن الواضح أنّه یضطرب المولی اضطراباً‏‎ ‎‏شدیداً ویتوسّل بأیّة وسیلة ممکنة لإنجائه وإنقاذه من الغرق، ولنفترض أنّه کان له‏‎ ‎‏عبدان‏ ‏؛ أحدهما عاجز دون الآخر‏ ‏، فحینئذٍ یری المولی أنّ العبد العاجز معذور دون‏‎ ‎‏القادر‏ ‏؛ رغم اشتیاقه وإرادته لإنقاذ ولده‏ .

‏والأمر فی الأحکام الکلّیة أیضاً کذلک‏ ‏؛ لأنّ حرمة التصرّف فی مال الغیر بغیر‏‎ ‎‏إذنه مثلاً‏ ‏، حکم فعلی لازم الإجراء‏ ‏، فإن تصرّف فیه بسوء اختیاره یعاقب علیه‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّه خالف الحکم الفعلی بلا عذر‏ ‏، ولکن إذا کان لا بسوء اختیاره فلا یعاقب علیه‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّه معذور عقلاً‏ .

‏هذا مقتضی القاعدة الکلّیة فی وضع القوانین الشرعیة بالنسبة إلی الأعذار‏‎ ‎‏العقلیة‏ ‏، إلاّ أن یرد دلیل فی بعض الموارد یقتضی رفع التکلیف عند العذر‏ ‏، کحدیث :‏‎ ‎‏«‏رفع . . . ما لا یعلمون‏» وهذا کلام آخر‏ ‏، کما عرفت‏ .

‏فظهر أنّ حال المتوسّط فی الأرض المغصوبة‏ ‏، حال من جعل نفسه مضطرّاً‏‎ ‎‏إلی أکل المیتة أو شرب الخمر بسوء اختیاره‏ ‏، فکما أنّه إذا سافر شخص إلی مکان‏‎ ‎‏لم یکن فیه ما یسدّ به رمقه ویرفع به عطشه‏ ‏؛ إلاّ أکل المیتة وشرب الخمر‏ ‏، أو‏‎ ‎‏أحدث فی نفسه حدثاً اضطرّ معه إلی التداوی بشرب الخمر‏ ‏، فهو فی هذا الحال‏‎ ‎‏وإن کان ملزماً من ناحیة عقله بأکل المیتة وشرب الخمر بمقدار یسدّ به رمقه‏ ‏، ویدفع‏‎ ‎‏به جوعه وعطشه‏ ‏، إلاّ أنّه مع ذلک لا یکون أکلها وشربها واجباً علیه شرعاً‏ ‏، بل‏‎ ‎
‎[[page 120]]‎‏حراماً علیه‏ ‏؛ لقوله تعالی :‏‏«‏ حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ ‏»‏‎[9]‎‏ وقوله عزّ من قائل :‏‏«‏ إنَّمَا‎ ‎الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأنْصَابُ وَالْأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ‏»‏‎[10]‎‏ ،‏‎ ‎‏والحاصل : أنّ العقل کما لا یراه معذوراً فی ترکه ومخالفته الخطاب العقلی‏ ‏، فکذلک‏‎ ‎‏من دخل داراً بغیر إذن صاحبها بسوء اختیاره‏ ‏، فهو وإن کان ملزماً عقلاً بالخروج‏ ‏،‏‎ ‎‏إلاّ أنّه غیر واجب علیه‏ ‏، بل یکون تصرّفه الخروجی حراماً ومعاقباً علیه‏ ‏؛ لأنّه‏‎ ‎‏ارتکب الحرام بلا عذر‏ .

‎ ‎

‎[[page 121]]‎

  • )) الکافی 1 : 542 / 4 ، وسائل الشیعة 25 : 386 ، کتاب الغصب ، الباب 1 ، الحدیث 3 .
  • )) عوالی اللآلی 1: 224/106، مستدرک الوسائل 14: 7، کتاب الودیعة، الباب 1، الحدیث 12.
  • )) البیع ، الإمام الخمینی قدس سره 1 : 372 .
  • )) قلت : سیجیء(أ) ادعاء المحقّق النائینی قدس سره قیام ضرورة الدین علی وجوب ردّ المغصوب والکلام فیه ، فارتقب . [ المقرّر حفظه الله ]     أ ـ یأتی فی الصفحة 124 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 277 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 237 .
  • )) التوحید ، الصدوق 353 / 24 ، وسائل الشیعة 15 : 369 ، کتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحدیث 1 .
  • )) إکمال الدین : 520 / 49 ، وسائل الشیعة 25 : 386 ، کتاب الغصب ، الباب 1 ، الحدیث 4 .
  • )) المائدة (5) : 3 .
  • )) المائدة (5) : 90 .

انتهای پیام /*