المقصد الثانی فی النواهی

إشکال اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض

کد : 148944 | تاریخ : 04/02/1394

إشکال اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض

‏وأمّا الإشکال من حیث اجتماع الإرادة والکراهة والحبّ والبغض‏ ‏؛ فلأنّ‏‎ ‎‏الإرادة والحبّ ومقابلیهما‏ ‏، من الصفات النفسانیة ذات الإضافة القائمة بنفس المرید‏‎ ‎
‎[[page 85]]‎‏والکاره والمحبّ والمبغض‏ ‏، فلابدّ لها من متعلّق یشخّصها ویعیّنها‏ ‏؛ بداهة أنّ الإرادة‏‎ ‎‏بدون المراد أو الحبّ بدون المحبوب‏ ‏، نظیر العلم‏ ‏، فکما أنّ تشخّص العلم بالمعلوم‏ ‏،‏‎ ‎‏فکذلک تشخّص الإرادة أو الحبّ بالمراد والمحبوب‏ ‏، ومن المعلوم أنّ مشخّصاتها‏‎ ‎‏لیست الوجودات الخارجیة‏ ‏، بل صورها وعناوینها الموجودة فی الذهن‏ ‏، وإلاّ فلو کان‏‎ ‎‏الخارج مشخّصاً لما فی الذهن‏ ‏، یلزم الانقلاب وصیرورة الذهن خارجاً‏ ‏، أو بالعکس‏ .

‏أضف إلی ذلک : أنّه یلزم من ذلک أن لا یتعلّق شیء منها بما لم یکن موجوداً فی‏‎ ‎‏الخارج‏ ‏؛ لامتناع أن یکون المعدوم مقوّماً ومشخّصاً للموجود‏ ‏، مع أنّا نری وجداناً‏‎ ‎‏صحّة تعلّق تلک الاُمور أحیاناً بما لم تکن موجودة فی الخارج‏ .

وممّا ذکرنا یظهر :‏ أنّه لا مناص من القول بأنّ متعلّق الحبّ والبغض أو‏‎ ‎‏الإرادة والکراهة‏ ‏، متغایران حقیقة‏ ‏؛ لأنّ وعاء الذهن وعاء التحلیل والتجزءة‏ ‏،‏‎ ‎‏فصورة ما تعلّق به الحبّ والإرادة‏ ‏، غیر صورة ما تعلّق به البغض والکراهة‏ ‏، نعم لمّا‏‎ ‎‏کانت العناوین وجوهاً لمصادیقها‏ ‏، فلا محالة یصیر الخارج محبوباً ومراداً أو مبغوضاً‏‎ ‎‏ومکروهاً بالعرض وبالواسطة‏ .

وإن شئت‏ مزید توضیح فلاحظ أنّه إذا تخیّلت وجود الأسد قریباً منک‏ ‏، تخاف‏‎ ‎‏عند ذلک‏ ‏، فهل أنّ خوفک من الأسد الخارجی‏ ‏، أو أنّه من الصورة الحاصلة منه فی‏‎ ‎‏ذهنک؟ فإن قلت بالأوّل‏ ‏، فلابدّ وأن یحصل لک الخوف عند ذلک وإن لم تکن ملتفتاً‏‎ ‎‏لوجود الأسد عندک‏ ‏، مع أنّه لیس کذلک ضرورة‏ ‏، ویلزمک أن لا تخافه إذا توهّمت‏‎ ‎‏کون هذه البقرة أسداً‏ ‏، مع أنّه لیس کذلک‏ ‏، فلابدّ وأن تقول بالثانی‏ ‏؛ وأنّ الأسـد‏‎ ‎‏بوجـوده الخارجی غیـر مخـوّف إیّاک‏ ‏، بل المخوّف هـو الصورة الأسدیة الحاصلة‏‎ ‎‏لک‏ ‏؛ کان هناک أسد أم لا‏ ‏، وهی متعلّق علمک بالذات‏ ‏، لا الخارجی منها‏ .

‏نعم‏ ‏، حیث تکون العناوین وجوهاً لمصادیقها‏ ‏، فلا محالة یکون الخارج معلوماً‏‎ ‎
‎[[page 86]]‎‏بالعرض‏ ‏، ولذا فإذا تخیّلت وجود الأسد قریباً منک‏ ‏، تحصل لک دهشة واضطراب وإن‏‎ ‎‏لم یکن فی الخارج‏ ‏، وإن لم تتحصّل لک صورته‏ ‏، تکن مطمئنّاً غیر مضطرب وإن کان‏‎ ‎‏الأسد فی حجرتک‏ ‏، فلا تخاف فی الحقیقة إلاّ من نفسک!!‏

‏والحاصل : أنّ الإرادة والحبّ والعلم ـ ونحوها من الصفات النفسانیة ذات‏‎ ‎‏الإضافة ـ لها نحو إضافة إلی المراد والمحبوب والمعلوم‏ ‏، وتتشخّص بها‏ ‏، ومعلوم‏‎ ‎‏ـ‏ ‏بدیهة ـ أنّ ما یکون فی الخارج حیث إنّه فی غیر وعاء النفس‏ ‏، فلا یکاد یمکن أن‏‎ ‎‏یشخّص ما یکون فی وعاء النفس‏ ‏، فلابدّ من وجود المشخّص فی اُفق النفس‏ ‏؛ وهو‏‎ ‎‏عنوان کلّی فی الصور الکلّیة‏ ‏، وعنوان جزئی فی الصور الجزئیة‏ ‏، ولکن حیث إنّ‏‎ ‎‏العناوین الموجودة فی الذهن وجوه لمصادیقها ومرایا لما فی الخارج‏ ‏، فیصیر الخارج‏‎ ‎‏مراداً ومکروهاً ومحبوباً ومبغوضاً ومعلوماً بالعرض‏ ‏، والغافل یتوهّم أنّ الخارج‏‎ ‎‏متعلّق تلک الاُمور حقیقة‏ .

‏فظهر أنّ الإرادة والکراهة والحبّ والبغض‏ ‏، صفات حقیقیة ذات إضافة‏ ‏،‏‎ ‎‏فلا بدّ لها من مشخّص فی الذهن‏ ‏، وعنوان «الصلاة» حیث إنّه فانٍ فی المعنون ویکون‏‎ ‎‏مرآة له‏ ‏، فلا یحکی إلاّ عن حیثیة الصلاتیة‏ ‏، وأمّا الخصوصیات الاُخر فخارجة عن‏‎ ‎‏حریم کاشفیتها‏ .

فإذا ظهر ما ذکرنا ‏، ووضح لک أنّ متعلّق الإرادة ومشخّصها‏ ‏، غیر متعلّق‏‎ ‎‏الکراهة ومشخّصها‏ ‏، وکذا فی جانب الحبّ والبغض‏ ‏، تعلم أنّ متعلّق الإرادة أو الحبّ‏‎ ‎‏من العنوان‏ ‏، یغایر متعلّق الکراهة والبغض‏ ‏، فیکون الموجود الخارجی مراداً ومحبوباً‏‎ ‎‏من جهة‏ ‏، ومکروهاً ومبغوضاً من جهة اُخری‏ ‏، ولا غَرْوَ فی ذلک‏ ‏؛ لأنّ کون شیء‏‎ ‎‏مراداً ومکروهاً ومحبوباً ومبغوضاً‏ ‏، لا یوجب اتصاف الخارج بمبدأین متضادّین‏ ‏،‏‎ ‎‏نظیر اتصاف الجسم بالسواد والبیاض حتّی یمتنع‏ ‏، بل هو وجود تلک الصفات فی‏‎ ‎
‎[[page 87]]‎‏النفس مضافة إلی الخارج ثانیاً وبالعرض بعد تعلّقها بصورها أوّلاً‏ ‏، وواضح أنّه‏‎ ‎‏لا یحصل بذلک فی الخارج تغییر‏ ‏، ولا وجود عرض حالّ فی المراد والمحبوب وهکذا‏ .

‏وبالجملة : لیس بحذاء هذه الأوصاف شیء فی الخارج حتّی یلزم وجود‏‎ ‎‏مبدأین متضادّین فی الواحد‏ ‏، بل صفات قائمة بنفس المرید والمحبّ مثلاً مضافة إلی ما‏‎ ‎‏فی الخارج‏ ‏، فتدبّر‏ .

‏ألا تری أنّ مرکّبات هذا العالم لابدّ وأن تنتهی إلی البسائط‏ ‏؛ لبطلان التسلسل‏ ‏،‏‎ ‎‏وأبسط البسائط ذات الواجب تعالی‏ ‏، فإنّه بسیط غایة البساطة لا تشوبه شائبة‏‎ ‎‏الکثرة أصلاً‏ ‏، ومع ذلک تصدق علی ذاته المقدّسة عناوین کثیرة‏ ‏؛ ککونه تعالی عالماً‏ ‏،‏‎ ‎‏قادراً‏ ‏، سمیعاً‏ ‏، بصیراً‏ . . ‏. إلی غیر ذلک من أسمائه الحسنی‏ ‏. بل هو تعالی محبوب کلّ‏‎ ‎‏مؤمن‏ ‏، مع أنّه لا یمکن حدوث صفة وحالة فیه تعالی بعددهم‏ .

‏وکـذا غیـره تعـالی مـن سـائر البسـائط‏ ‏، فإنّ کلّ بسیـط یکـون مقـدوراً‏‎ ‎‏ومعلوماً ومرضیاً له تعالی‏ ‏، وهکذا‏ ‏، وهو بحیثیة کونه مقدوراً له تعالی معلوم‏ ‏،‏‎ ‎‏وبالعکس‏ ‏، وإلاّ یلزم أن تکون ذاته تعالی عالمة بحیثیة دون حیثیة‏ ‏، ومع ذلک لا یلزم‏‎ ‎‏تکثّر البسیط!!‏

‏بل ربما یصدق عنوانان متقابلان علی شیء واحد بسیط‏ ‏، کالحرکة الواحدة‏ ‏،‏‎ ‎‏فإنّها ربما تکون معلومة من جهة کونها صلاة وحرکة رکوعیة‏ ‏، ومجهولة من جهة‏‎ ‎‏کونها غصباً إذا شکّ فی کون المکان غصباً‏ .

والسـرّ فـی ذلک :‏ هـو أنّ تلک العناوین عناوین انتزاعیـة تنتزع مـن نحـو‏‎ ‎‏ارتباط بها‏ ‏، لا اُمور حقیقیة قائمة به نظیر السواد والبیاض بالنسبة إلی الجسم‏ ‏؛ لأنّ‏‎ ‎‏المحبوبیـة أو المبغوضیـة مثلاً‏ ‏، تنتـزعان مـن تعلّق الحبّ أو البغض بالصـورة الحاکیة‏‎ ‎‏عن الخارج‏ .

‎ ‎

‎[[page 88]]‎

انتهای پیام /*