کلام المحقّقین الخراسانی والنائینی ونقده
فما یظهر من المحقّق الخراسانی قدس سره من صحّة الصلاة فی صورة الجهل ، غیر وجیه ؛ لأنّه إنّما تصحّ إذا کانت هناک حیثیتان واقعیتان یتعلّق بکلّ منهما ملاک یخصّها ، لکن یقدّم جانب النهی عند العلم لأهمّیته ، وعند الجهل والغفلة لو أتی بالصلاة یکون آتیاً بما یکون واجداً للمصلحة ، فتصحّ .
ولکن عرفت : أنّه إن أمکن إثبات حیثیتین واقعیتین ، فلابدّ وأن یقال بالجواز ؛ لارتفاع التضادّ بذلک بین الملاکین ، فضلاً عن الحکمین ، فالقائل بالامتناع لا یمکنه إثبات ذلک .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ تمامیة الأمر الأوّل مساوقة لرفع الید عن امتناع
[[page 61]]الاجتماع ، فمع القول بالامتناع لا یتمّ الأمر الأوّل .
ولکن لو اُغمض عمّا ذکرنا فی الأمر الأوّل ، لصحّ ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره لأنّه إذا کانت حیثیة الغصبیة غیر حیثیة الصلاتیة ، وکان لکلّ منهما ملاک یخصّها ، وکان ترجّح جانب النهی إنّما هو لأهمّیته ، فلا یوجب ذلک تنقیصاً فی ملاک الصلاة ، فملاکها تامّ ، وعدم إنشاء الحکم علی طبقه إنّما هـو للمانع ؛ وهو أهمّیة ملاک الغصب ، ففی صورة الجهل والنسیان والغفلة یمکن التقرّب بها ، فتدبّر .
ولا یتوجّه علی مقال المحقّق الخراسانی قدس سره شیء من الإشکالین اللذین أوردهما المحقّق النائینی قدس سره علیه :
أمّا إشکاله الأوّل فحاصله : أنّه علی تقدیر الامتناع تندرج المسألة فی صغری التعارض ؛ وهو عدم إمکان تشریع الحکمین اللذین تکفّلهما الدلیلان فی عالم الثبوت ، لا فی صغری التزاحم الذی هو جعل الحکم علی کلّ منهما ، ولکن المکلّف فی مقام الامتثال لا یمکنه الجمع بینهما ، فإن رجّحنا جانب النهی یکون مقتضاه تقیید إطلاق متعلّق الأمر بما عدا الفرد المجامع للغصب ، ویکون المأمور به الصلاة المقیّدة بأن لا تکون فی الدار الغصبیة ، وهذا التقیید راجع إلی مرحلة الثبوت والواقع ، کما هو الشأن فی سائر التقییدات ، حیث إنّ دلیل المقیّد کاشف عن عدم تعلّق إرادة الأمر بما تضمّنه المطلق ، فإذن لا دخل لعلم المأمور وجهله بذلک ، ولازم ذلک فساد الصلاة فی الدار الغصبیة ؛ عَلم المکلف بغصبیة الدار أم لا ، لأنّه لم یأتِ بالمأمور به .
وأمّا إشکاله الثانی : فهو أنّ الملاک الذی یمکن أن یتقرّب به والموجب للصحّة ، هو الملاک الذی لم یکن مکسوراً بما هو أقوی منه فی عالم التشریع ، وأمّا الملاک
[[page 62]]المغلوب بما هو أقوی منه والمکسور بغیره فی الجعل والتشریع ، فلا یمکن أن یتقرّب به ، ولا یکون موجباً للصحّة .
أمّا إشکاله الأوّل فیرد علیه ـ مضافاً إلی ما أشرنا إلیه آنفاً من أنّ مسألتنا هذه لیست من باب التعارض ؛ لما أشرنا من أنّ موضوع البحث هناک فی الدلیلین المتعارضین أو المتخالفین بحسب العرف ، بخلاف مسألتنا هذه ، فإنّه فی التعارض العقلی بین الدلیلین ـ أنّ عدم إنشاء الحکم علی نحوین :
فتارة : یکون لضعف فی الملاک والمصلحة ؛ أی لقصور فی المقتضی .
واُخری : یکون لمانع ؛ وهو أهمّیة الملاک الآخر ، مع کونه فی نفسه تامّ الملاک والمصلحة .
والصلاة لها مصلحة تامّة ، لکن لابتلائها بما هو أهمّ منها ـ لأقوائیة النهی ـ لم یتعلّق بها الأمر ؛ فعدم تعلّق الأمر بها حینئذٍ لأجل المانع ، لا لقصور فی ملاک الأمر ، بل ملاکه تامّ وکامل ، فیصحّ التقرّب بها عند الجهل ، ولا فرق فی ذلک بینه وبین التزاحم .
وأمّا التفریق بینهما من جهة أنّه فی باب التزاحم ، لا یمکن الجمع بین الدلیلین فی مقام الامتثال بعد الفراغ عن إنشاء الحکم علیهما ، بخلاف ما هنا ؛ لأنّه لم ینشأ الحکم إلاّ علی أحدهما ، فهو غیر فارق ؛ لأنّه إذا اُحرز واجدیة کلّ منهما للملاک التامّ ، ولکنّه لمانع لم یمکنه إنشاء الحکم علی أحدهما ، فحینئذٍ یمکن التقرّب به علی تقدیر کفایة تمامیة الملاک فی عبادیة العبادة فی صورة الجهل ، کما یمکن ذلک فی صورة التزاحم ، کما اعترف به .
[[page 63]]وأمّا إشکاله الثانی ـ أی حدیث المصلحة المکسورة ـ فإن أراد بها نقصان المصلحة التی کانت لها قبل ابتلائها بما هو أقوی وسقوطها ، ففیه : أنّه غیر معقول ؛ لعدم مصادمة أحدهما للآخر ، وإن أراد أنّه وإن لم ینقص ، ولکنّ الحکم لم ینشأ إلاّ لما هو الأقوی ، فعلیه یصحّ التقرّب بها بعد تمامیة ملاک المهمّ .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لو قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهی ، ورجّحنا جانب النهی ، فالقاعدة مقتضیة لفساد العبادة ؛ من دون فرق بین صورتی العلم والجهل ، والالتفات وعدمه ؛ لعدم تمامیة الأمر الأوّل ، وإن تمّ ذلک فتصحّ العبادة من غیر فرق بین کون المسألة من باب التزاحم أو لا ، فتدبّر .
[[page 64]]