المقصد الثانی فی النواهی

الأمر الرابع فی عدم اعتبار وجود المندوحة

کد : 148971 | تاریخ : 04/02/1394

الأمر الرابع فی عدم اعتبار وجود المندوحة

‏اختلفوا فی اعتبار قید المندوحة فی محطّ البحث وعدمه‏ ‏، والمراد بـ‏ ‏«المندوحة»‏‎ ‎‏تمکّن المکلّف من إتیان المأمور به فی غیر المجمع‏ ‏؛ بأن یمکنه إتیان الصلاة مثلاً فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال فی غیر المکان المغصوب‏ .


‎[[page 38]]‎ربما یظهر من بعضهم‏ اعتبارها فی محطّ البحث‏‎[1]‎‏ بتوهّم : أنّه لابدّ وأن یتمکّن‏‎ ‎‏من إتیان الصلاة فی غیر المکان المغصوب‏ ‏، وإلاّ فلو لم تکن هناک مندوحة یلزم‏‎ ‎‏التکلیف بالمحال‏ ‏؛ لعدم قدرة المکلّف علی امتثال الأمر‏ ‏، فلابدّ من القول بالامتناع‏ .

ولکن ‏الذی یقتضیه النظر عدم اعتبارها فی محطّ البحث‏ ‏؛ سواء کان النزاع‏‎ ‎‏صغرویاً‏ ‏، أی فی أنّه هل یوجب تعدّد العنوان رفع غائلة اجتماع الضدّین‏ ‏، أم لا؟ أو‏‎ ‎‏کبرویاً‏ ‏؛ أی فی أنّه هل یجوز اجتماع الأمر والنهی علی عنوانین متصادقین علی أمر‏‎ ‎‏واحد‏ ‏، وکان البحث أعمّ من لزوم اجتماع الضدّین الذی هو تکلیف بالمحال‏ ‏، أو‏‎ ‎‏التکلیف المحال :‏

أمّا‏ علی کون النزاع صغرویاً‏ ‏؛ فلأنّ محطّ البحث علی هذا فی أنّ تعدّد العنوان‏ ‏،‏‎ ‎‏هل یرفع غائلة اجتماع الضدّین‏ ‏، أم لا؟ فالأمر یدور مدار تعدّد العنوان‏ ‏، فإن کفی ذلک‏‎ ‎‏لرفع غائلة الاجتماع‏ ‏، فوجود المندوحة وعدمها سیّان‏ ‏، وإن لم یکفِ ذلک لرفعها‏ ‏، لما‏‎ ‎‏کان لوجود المندوحة وعدمها فائدة أصلاً‏ .

‏وبالجملة : ـ کما فی «الکفایة»‏‎[2]‎‏ ـ وجود المندوحة وعدمها لا یرتبط فیما هو‏‎ ‎‏المهمّ فی محطّ النزاع‏ ‏؛ من إمکان اجتماع الحکمین واستحالته‏ .

وأمّا ‏علی کبرویة النزاع کما هو المختار‏ ‏، وکون النزاع أعمّ من التکلیف بالمحال‏ ‏،‏‎ ‎‏أو التکلیف المحال‏ ‏، فتوهّم اعتبار المندوحة إنّما نشأ من خلط الأحکام والخطابات‏‎ ‎‏الکلّیة القانونیة‏ ‏؛ بالأحکام والخطابات الجزئیة والشخصیة‏ ‏، مع أنّه قد أشرنا غیر‏‎ ‎‏مرّة إلی أنّ لکلّ منهما ملاکاً وضابطةً تخصّه‏ ‏؛ بداهة اعتبار احتمال الانبعاث فی الخطاب‏‎ ‎
‎[[page 39]]‎‏الشخصی بالنسبة إلی المخاطب‏ ‏، وعدم اعتبار ذلک فی الخطاب القانونی‏ ‏، وغایة ما‏‎ ‎‏یعتبر فیه هو إمکان انبعاث طائفة منهم‏ .

‏فعلی هذا نقول : العنوانان اللّذان تعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهی‏ ‏، إمّا غیر‏‎ ‎‏مرتبطین ویفترق کلّ منهما عن الآخر بحسب نوع حالات المکلّفین فی الأعصار‏‎ ‎‏والأمصار‏ ‏، کعنوانی الصلاة‏ ‏ والغصب‏ ‏، حیث إنّ عامّة الناس فی الأعصار والأمصار‏ ‏،‏‎ ‎‏یتمکّنون غالباً من إتیان الصلاة فی غیر الدار المغصوبة‏ ‏، نعم ربما یتّفق لبعضهم‏‎ ‎‏ویتضیّق علیه الأمر نادراً‏ ‏؛ بحیث لا یتمکّن إلاّ من الصلاة فی الدار المغصوبة‏ ‏، وإمّا أن‏‎ ‎‏یکونا متلازمین وغیر منفکّین بحسب التحقّق الخارجی‏ .

‏وقد أشرنا إلی أنّ فعلیة الأحکام القانونیة‏ ‏، لا تکون مرهونة بملاحظة حالات‏‎ ‎‏آحاد الأفراد‏ ‏؛ حتّی یکون الحکم بالنسبة إلی واحد منهم إنشائیاً بلحاظ عدم تحقّق‏‎ ‎‏شرط التکلیف فیه‏ ‏، وفعلیاً بالنسبة إلی واجد الشرط‏ ‏، بل حتّی یکون الحکم فعلیاً‏‎ ‎‏وإنشائیاً بالنسبة إلی حالات شخص واحد‏ ‏؛ بأن یکون الحکم بالنسبة إلی النائم‏‎ ‎‏والساهی إنشائیاً‏ ‏، ویصیر فعلیاً إذا استیقظ وتذکّر‏ ‏، بل الحکم فعلی بالنسبة إلی جمیع‏‎ ‎‏آحاد المکلّفین وحالاتهم‏ ‏، بل بالنسبة إلی حالات شخص واحد‏ ‏. وغایة ما یقتضیه‏‎ ‎‏العقل هی معذوریة ذوی الأعذار عن القیام بامتثال الحکم الفعلی‏ .

‏فعلی هذا فالحکم الإنشائی هو الحکم الذی یری المقنّن صلاحاً فی إنشائه‏‎ ‎‏وجعله علی موضوع کلّی‏ ‏، فإن لم یکن عن إجرائه مانع فیجعله ویصیر الحکم فعلیاً‏ ‏،‏‎ ‎‏وإن کان عن إجرائه مانع فلن یصل إلی مرتبة الفعلیة‏‎[3]‎ .


‎[[page 40]]‎‏وبالجملة : المعتبر فی جعل الأحکام القانونیة‏ ‏، هو انبعاث أو انزجار طائفة‏‎ ‎‏منهم فی الأعصار والأمصار‏ ‏، ولا یعتبر فیها ملاحظة حالات کلّ واحد من الأفراد مع‏‎ ‎‏ما هم علیه من الاختلاف‏ ‏؛ فبعضهم عاجز‏ ‏، وبعضهم جاهل‏ . . ‏. إلی غیر ذلک من‏‎ ‎‏الأعذار‏ ‏، وغایة ما یقتضیه العقل عند طروّ الجهل أو العجز أو غیرهما‏ ‏، هی معذوریة‏‎ ‎‏المتلبّس بها‏ ‏، لا تقیید الحکم بعدمها‏ ‏، فإذا تعلّق الحکم بعنوان وابتلی الشخص بأعذار‏‎ ‎‏ـ منها ابتلاؤه بعدم القدرة علیه بلحاظ انطباق عنوان حکم آخر علیه ـ لا یصیر‏‎ ‎‏الحکم إنشائیاً‏ ‏، بل فعلیاً‏ ‏، وغایة ما یقتضیه حکم العقل هی معذوریة الشخص عن‏‎ ‎‏القیام بامتثال الحکم الفعلی‏ .

‏والسرّ فی ذلک ـ کما أشرنا إلیه ـ هو عدم انحلال التکلیف الواحد بعدد‏‎ ‎‏رؤوس آحاد المکلّفین‏ ‏؛ حتّی یکون کلّ فرد مخصوصاً بخطاب یخصّه‏ ‏، حتّی‏‎ ‎‏یستهجن خطابه بالبعث نحو الصلاة مثلاً‏ ‏، وبالزجر عن الغصب‏ ‏، حتّی یصیر المقام‏‎ ‎‏من التکلیف بالمحال‏ ‏، أو التکلیف المحال من المولی الحکیم‏ ‏، بل تکلیف واحد بإرادة‏‎ ‎‏واحدة‏ ‏؛ وهی إرادة التشریع وجعل الحکم علی العنوان لیصیر حجّة علی کلّ من‏‎ ‎‏أحرز دخوله تحت العنوان‏ .

فإذا تمهّد لک ما ذکرنا فنقول :‏ إنّ العنوانین إمّا أن یکونا من قبیل القسم الأوّل؛‏‎ ‎‏أی غیر مرتبط أحدهما بالآخر فی الوجود الخارجی غالباً‏ ‏، وإنّما یتصادقان أحیاناً‏ ‏،‏‎ ‎‏فإن لم یکن محذور فی تعلّق الحکمین بالعنوانین الکذائیین ـ کما هو کذلک ـ أو کان‏‎ ‎‏محذور‏ ‏، فوجود المندوحة وعدمها سیّان فی ذلک‏ ‏. هذا عین سابقه إذ ما هو الفرق بین‏‎ ‎
‎[[page 41]]‎‏أن یکون وجود المندوحة کعدمها وبین أن لا یکون لها أثر أصلاً‏ .

‏وإمّا أن یکونا من قبیل القسم الثانی ـ أی متلازمین وجوداً ـ فلا یحتاج إلی‏‎ ‎‏التقیید بالمندوحة أیضاً‏ ‏؛ لاستحالة صدور الحکمین الکذائیین من المولی الحکیم‏‎ ‎‏المقنّن‏ ‏، لأنّ الإرادة الجدّیة من المولی الحکیم‏ ‏، إنّما تتمشّی فی مورد یقدر المکلّف علی‏‎ ‎‏امتثاله‏ ‏، وفی صورة تلازم العنوانین فی الوجود‏ ‏، لا یکاد تصدر إرادة البعث لأحدهما‏ ‏،‏‎ ‎‏وإرادة الزجر عن الآخر‏ ‏، فالتکلیف محال من المولی الحکیم‏ ‏؛ لأجل التکلیف المحال‏ ‏،‏‎ ‎‏فضلاً عن التکلیف بالمحال‏ ‏، فعند ذلک لابدّ وأن یقیّد أحد الحکمین بعدم الآخر‏ ‏؛ إمّا‏‎ ‎‏بتقیید جانب الأمر بعدم النهی لو کانت له مزیّة‏ ‏، أو بالعکس إذا کان للنهی مزیّة‏ ‏،‏‎ ‎‏وإذا لم یکن لأحدهما مزیّة علی الآخر فالتخییر‏ .

فتحصّل ممّا ذکرنا بطوله :‏ أنّ اعتبار قید المندوحة غیر محتاج إلیه‏ ‏؛ لا علی‏‎ ‎‏کون النزاع صغرویاً‏ ‏، ولا علی کونه کبرویاً‏ ‏، فافهم‏ .

‎ ‎

‎[[page 42]]‎

  • )) الفصول الغرویة : 124 / السطر 32، وقایة الأذهان : 333 ـ 334 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 148 .
  • )) کفایة الاُصول : 187 .
  • )) قلت : وحیث إنّه لم یکد یمکن تبلیغ الأحکام بعد ارتحال النبی الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم لانقطاع الوحی ، لذا أنشأ الحکم علی العنوان وبلّغه ، وأخبر الوصیّ بعده بموانع إجرائه ، فکلّما ذهبت الموانع تصیر الأحکام المعلّقة علی العناوین فعلیة ، ولذا نقول بوجود أحکام عند ولیّ الله الأعظم جعلنی الله من کلّ مکروه فداه ، ولم تکن شروط فعلیتها موجودة إلی الحال ، نعم تصیر فعلیة عند تحقّق شروطها.[ المقرّر حفظه الله ]

انتهای پیام /*