الأمر السادس
محطّ البحث فیما نحن فیه: هو ما إذا کان هناک طبیعة مأمور بها فی وقت موسّع أو مضیّق ـ بالنسبة إلی القضاء فقط ـ مشروطة بشرط، کالصلاة المشروطة بالطهارة المائیّة؛ لقوله تعالی: «إذَا قُمْتُمْ إِلَی الصّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ» الآیة، وقال تعالی: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعیداً»، وفرض أنّ المکلّف فی أوّل وقته فاقد للماء، وفی آخره واجد له، وفرض تسویغ الشارع البدار له ولو مع العلم بوجدانه فی آخر الوقت، أو فرض أنّه فاقد للماء فی جمیع الوقت، وواجد له فی خارجه، فهل یُجزی فعل الأمر الاضطراری ـ أی الصلاة مع الطهارة الترابیّة ـ فلا یجب الأداء مع الطهارة المائیّة فی الفرض الأوّل، والقضاء کذلک فی الثانی، فیقتضی الإجزاء، أو لا؟ وکذلک لو صلّی مع استصحاب الطهارة من الخبث، أو عملاً بقاعدة الطهارة، فانکشف نجاسته فی الوقت أو خارجه، فهل الإتیان بالأمر الظاهری مُجزٍ، فلا یجب الأداء والقضاء أو لا؟
وبالجملة: محطّ البحث هو ما إذا کان الأمر واحداً وکذلک المأمور، والاختلاف إنّما هو فی الشرائط بحسب اختلاف الحالات.
إلاّ أنّه یظهر من «الکفایة» وغیرها: أنّ محلّ البحث هو ما إذا تعدّد الأمر، وتعلّق أحدهما بالصلاة مع الطهارة المائیّة فی حال الاختیار، وثانیهما تعلّق بها مع
[[page 288]]الطهارة الترابیّة حال الاضطرار، فیقال: الإتیان بالمأموربه الثانی هل هو مُجزٍ عن أمر نفسه، أو عن الأمر الأوّل، أو لا؟ وکذلک فی الأمر الظاهری.
ووجهه ما ذکره فی باب الاستصحاب: من أنّ الأحکام الوضعیّة علی ثلاثة أقسام: منها ما لاتنالها ید الجعل مطلقاً؛ لا بالاستقلال ولا تبعاً، ومنها ما هی قابلة للجعل تبعاً لا استقلالاً، ومنها ما هی قابلة له استقلالاً، وأنّ الشرطیّة والجزئیّة والمانعیّة من قبیل القسم الثانی، ومعناه أنّه إذا أراد الشارع جعل شیء جزءً لشیء أو شرطاً، فلابدّ من ملاحظة ذلک الشیء معه، ویأمر بالمجموع؛ لیصیر جزءً، أو ملاحظته مقیّداً به؛ لیصیر شرطاً، وهو المراد من الجعل التبعی، وإلاّ فلا یمکن أن یأمر بطبیعة الصلاة أوّلاً، ثمّ یجعل الأجزاء والشرائط بجعلٍ مستقل، فالصلاة مع الطهارة المائیّة بالنسبة إلی واجد الماء مأمور بها بأمر مستقلّ، وهی مع الطهارة الترابیّة مأمور بها بأمر آخر مستقلّ.
وعلی ما ذکره یلزم أن یکون جمیعُ الأدلّة التی ظاهرها أنّها فی مقام جعل الجزئیّة والشرطیّة ـ مثل قوله علیه السلام: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب) أو (... بطهور) وقوله تعالی: «فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ اَلْمَسجِدِ الْحَرَامِ» أو «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً» ونحوها ـ إرشادیّة إلی ما هو جزء أو شرط واقعاً بالجعل التبعی.
والحاصل: أنّ محطّ البحث ـ لو خُلّی وطبعه ـ هو ما إذا کان الأمر واحداً متعلّقاً
[[page 289]]بالطبیعة، مثل «أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ» ثمّ بیّن أنّها مشروطة لدی الاختیار بالقیام حال القراءة والطهارة المائیّة، وأنّه یکفی الطهارة الترابیّة عند فقد الماء، أو الجلوسُ حال القراءة عند الاضطرار، وفُرض أنّ المکلّف فی بعض وقته فاقد للماء أو مضطرّ، وواجد له أومختار فی آخر الوقت أو خارجه، وفُرض أنّ الشارع سوّغ له البِدار، فیقع البحث فی أنّه هل هو مُجزٍ، ولا یجب الأداء والقضاء؟ فلابدّ من البحث عن کلّ واحد منهما.
إذا عرفت هذه فنقول:
[[page 290]]