فی الإیراد علی ما فی «الکفایة»
أقول : لا شبهة فی أنّ متعلّق النذر لیس هو الأعمّ؛ إذ یشترط فی متعلّق النذر المذکور مرجوحیّته ـ أی مرجوحیّة الفعل وراجحیّة ترکه ـ لما قُرّر فی محلّه من اعتبار الرجحان فی متعلّق النذر، ومجرّد القراءة والرکوع والسجود فی الحمّام لیس مرجوحاً وترکها راجحاً، ولیست هذه متعلّق النذر أیضاً؛ ضرورة أنّ متعلّقه هی الصلاة الصحیحة؛ أی المأمور بها الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط، وهی المکروهة فی الحمّام، وهذا بحث مستقلّ لا ربط له بالمقام، لکن لا بأس بالإشارة إلیه إجمالاً، فنقول :
قد یقال : إنّ الصلاة الصحیحة لا یتعلّق بها النذر ولا ینعقد؛ لأنّ الکراهة فی العبادات بمعنی أنّ هذا الفرد أقلّ ثواباً، فالمرجوحیّة فیها إضافیّة، ولا یکفی فی صحّة نذر الترکِ المرجوحیّةُ الإضافیّة، فإنّها بمعنی أنّه أقلّ ثواباً من فرد آخر، کالصلاة فی البیت، والصلاة فی البیت أیضاً أقلّ ثواباً من الصلاة فی المسجد، وهکذا، فلو أوجب ذلک الکراهیّة لزم کراهیّة الصلاة فی جمیع الأمکنة سوی المسجد الحرام، وهو واضح البطلان، فلا تتحقّق الکراهیّة بالمعنی المصطلح فی الصلاة فی الحمّام، بل بمعنی المرجوحیّة الإضافیّة، وهی لا تکفی فی صحّة نذر ترکها فی الحمّام ونحوه ویعتبر الرجحان الذاتی فی متعلّقه انتهی.
أقول : لا إشکال فی أنّ الأوامر والنواهی متعلّقة بالطبائع دون الأفراد ـ کما تقرّر فی محلّه ـ فالأمر بالصلاة إنّما تعلّق بطبیعة الصلاة، وهی راجحة، والمرجوح هو إیقاعها فی الحمّام، وهو المتعلَّق للنذر، فالإشکال والاشتباه ناشٍ عن الخلط بین ما هو متعلّق النذر وبین ما هو متعلّق الأمر، فإنّ متعلّق الأمر هی الطبیعة، وهی راجحة، ومتعلّق النذر هو إیقاعها فی الحمّام الذی هو الکون الرابط، وهو مرجوح، ولا تنافی بینهما، والإشکال إنّما یتوجّه لو تعلّق النذر بالطبیعة.
[[page 118]]وحینئذٍ : فلو أوقعها فی الحمّام صحّت وتحقّق امتثال الأمر بالطبیعة المأمور بها، لکنّه خالف الأمر النذری المتعلِّق بترک إیقاعها فی الحمّام، ویتحقّق الحِنْث، وهذا نظیر شرب المباح من آنیة الذهب والفضة، فإنّ الُمحرَّم هو الشرب منها ـ أی المعنی المصدری ـ لا المشروب، بخلاف شرب الخمر من الظرف المباح، فإنّ المحرّم هو المشروب، لا الشرب من الآنیة المباحة، وبخلاف شرب الخمر من آنیة الذهب والفضّة، فإنّه ارتکاب الحرامین مستقلّین : شرب الخمر، والشرب من آنیة الذهب والفضّة، وسیجیء فی باب الاجتماع الأمر والنهی أنّ جواز اجتماع حکمین فی شیءٍ واحد مع تعدّد الجهة من البدیهیّات، ولهذا یمکن القول بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة، وأنّه مطابق للقاعدة، إلاّ أن ینعقد الإجماع علی خلافه.
[[page 119]]