وجه آخر للاستدلال بالتبادر وصحّة السلب
هذا : ولکن هنا کلام یمکن تصحیح الاستدلال بالتبادر وصحّة السلب به ثبوتاً لا إثباتاً ووقوعاً، وهو أنّک قد عرفت سابقاً : أنّ أوضاع الألفاظ ممّا وقعت تدریجاً بمرور الأیّام والأعوام حسب ما اقتضته الحاجة وعدم اختصاصه بشخص خاصّ، ویشهد له ما نراه ونجده بالعیان أنّ بعض الأشیاء المخترعة فی هذه الأعصار، کالطیّارات والسیّارات وسائر الآلات الجدیدة العجیبة، ولم تکن موجودة فی الأعصار السابقة، ولم تکن شیئاً مذکوراً لا لفظها ولا معانیها، وکذلک کلّ جزء من أجزائها ولوازمها وآلاتها ووضعوا لها ألفاظاً وأسماءً لا لخصوص فرد منها، بل لکلّیّها
[[page 115]]وطبیعیّها، مع عدم تبیّن تلک الطبیعة للواضع مفصَّلاً جنساً وفصلاً، بل کانوا ینتقلون من الفرد إلی الکلّی وجامعة الارتکازی من دون افتقار إلی معرفة کنهه وحقیقته، فإنّه لا یتیسّر ذلک إلاّ للخواصّ من الحکماء، وحینئذٍ فمن الممکن أنّ الواضع لمّا رأی فرداً من الصلاة یصلّیها مسلم التفت إلی أنّ لها صورة نوعیّة إجمالاً وطبیعة جامعة لشتات أفرادها المختلفة کمّاً وکیفاً، فوضع لفظ الصلاة لتلک الصورة النوعیّة المعلومة إجمالاً لا تفصیلاً جنساً وفصلاً، ولا یضرّ فی ذلک اختلاف أفرادها کمّاً وکیفاً، کما لا یضرّ ذلک فی مثل الطیّارة والسیّارة والبطّیخ ونحوها، فللمستدلّ أن یدّعی تبادر هذا المعنی الإجمالی الارتکازی فی أذهان العرف والعقلاء وصحّة السلب عن الفاقدة لبعض الأجزاء، ولا یتوجّه علیه الإشکالات المتقدّمة.
لکن هذا مجرّد تصوّر، وأنّه ممکن، ولیس بممتنع، لکن الواقع خلافه؛ إذ لاشبهة فی أنّ المتبادر من لفظ الصلاة هو الأعمّ؛ أی الطبیعة لا بشرط الصحّة والفساد، کما أنّ المُتبادر من لفظ البطّیخ ونحوه أیضاً ذلک.
[[page 116]]