المقدمة وتشتمل علی اُمور

التحقیق فی تصویر الجامع

کد : 149121 | تاریخ : 09/02/1394

التحقیق فی تصویر الجامع

والتحقیق فی المقام : ‏یحتاج إلی تقدیم مقدّمة؛ هی أنّک قد عرفت أنّ الصحّة‏‎ ‎‏والفساد من طوارئ الوجود وعوارضه، لا الماهیّة؛ فإنّها من حیث هی لا تتّصف‏‎ ‎‏بالصحّة والفساد، بل إذا وُجدت فی الخارج فهی إمّا صحیحة، أو فاسدة، فرتبة فرض‏‎ ‎‏الجامع متقدّمة علی رتبة الاتّصاف بهما.‏

لا یقال : ‏یمکن أن یقال : إنّ مرادهم هو أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل هی موضوعة‏‎ ‎‏لماهیّة إذا وجدت کانت صحیحة فقط، أو لأعم منها وممّا إذا وجدت کانت فاسدة؟‏

لأنّه یقال : ‏إنّهم استثنوا القسمین الأخیرین من أقسام الشرائط المتقدّمة عن‏‎ ‎‏محطّ البحث، وبدونهما فهی لا توجد إلاّ فاسدة، ومعه لا معنی للبحث فی أنّها هل هی‏‎ ‎‏موضوعة لماهیّة إذا وجدت کانت صحیحة أو لأعمّ؟ بل هی ـ حینئذٍ ـ موضوعة‏‎ ‎‏لماهیّة توجد فاسدة دائماً، وهو بعینه مقالة الأعمّی وإن لم تساعد علیه عبارته.‏

ومنه یظهر : ‏عدم الحاجة إلی فرض الجامع وتصویره للصحیحی، بل لا معنی‏‎ ‎‏له؛ لأنّ الموضوع له لیس هو الصحیح علی أی تقدیر؛ لما عرفت من خروج القسمین‏‎ ‎‏الأخیرین من الشرائط، ومعه لا تقع صحیحة.‏

فظهر من ذلک : ‏أنّ الحقّ أن یقال فی محطّ البحث : إنّ الصلاة ـ مثلاً ـ هل‏
‎[[page 108]]‎‏هی موضوعة للماهیّة التامّة الأجزاء مع القسم الأوّل من الشرائط ـ بناءً علی‏‎ ‎‏دخوله فی محلّ البحث ـ أو الأعمّ منها ومن الفاقدة لبعض ذلک بإلغاء لفظی الصحّة‏‎ ‎‏والفساد فی عنوان البحث؛ لما عرفت من تأخّر مرتبة الاتّصاف بالصحّة والفساد عن‏‎ ‎‏ما هو محطّ البحث، وأنّ الحقّ خروج الشرائط المعتبرة فی الصحّة ـ یعنی القسمین‏‎ ‎‏الأخیرین من الشرائط ـ عن محلّ النزاع ودخول ما هو من مقوّمات الماهیّة، والقسمان‏‎ ‎‏الأخیران من الشرائط لیسا کذلک، وأمّا القسم الأوّل منها فیحتمل أنّها من شرائط‏‎ ‎‏الصحّة، لا من مقوّمات الماهیّة، فتخرج عن محطّ البحث أیضاً، ویحتمل کونها من‏‎ ‎‏مقوّمات الماهیّة فتدخل.‏

‏وأمّا الأجزاء فحیث إنّها من المقولات المختلفة، فلابدّ لها من جامع اعتبره‏‎ ‎‏الشارع أنّه الصلاة، فنقول : ‏

‏قد یشتمل شیء علی أجزاء عدیدة اعتبرت شیئاً واحداً، وأنّ لهیئته الاجتماعیّة‏‎ ‎‏مدخلیّة فی صدق الاسم، وینتفی بانتفاء أحد أجزائه.‏

‏وقد لا تکون کذلک؛ بأن کان للهیئة الاجتماعیّة المرکّبة من عدّة أجزاء عرض‏‎ ‎‏عریض، ویصدق علیها الاسم المخصوص الموضوع لها ولو مع انتفاء بعض أجزائها أو‏‎ ‎‏تبدّلها بجزءٍ آخر من سنخها، فلیس لکلّ واحدٍ من الأجزاء دخْلٌ فی الإطلاق وصدق‏‎ ‎‏الاسم، وذلک کالبیت والدار والطیّارة والسیّارة وما أشبه ذلک، فانتفاء بعض أجزاء‏‎ ‎‏هذه أو تبدّله بجزءٍ آخر من سنخه، لا یوجب سلب الاسم والإطلاق، ولذلک تری‏‎ ‎‏صحّة إطلاق البیت علی المبنی من الطین واللّبنة أو من الحجر والآجر ونحو ذلک،‏‎ ‎‏فللموضوع له فی أمثال ذلک عرض عریض، وأجزاؤه مأخوذة فیه لا بشرط کمّاً‏‎ ‎‏وکیفاً، ولذا یطلق علی الوسیع والطویل والعریض والضیّق.‏

إذا عرفت هذا فنقول : ‏إنّ الصلاة من قبیل الثانی؛ لأنّ أجزاءها المختلفة ـ من‏‎ ‎‏القیام والرکوع والسجود وغیرها ـ ماهیّة اعتباریّة ممتدّة ذات عرض عریض حالّة فی‏
‎[[page 109]]‎‏تلک الأجزاء، واعتبرت تلک الأجزاء فیها لا بشرط، ولهذا تصدق علی الفاقدة لبعض‏‎ ‎‏تلک الأجزاء، أو مع تبدیله بجزءٍ آخر من سنخه، وعلی المأتی بها جهراً وإخفاتاً،‏‎ ‎‏صحیحةً أو ملحونة، قاعداً وقائماً ومضطجعاً.‏

وبالجملة : ‏تصدق علی جمیع أفرادها الاختیاریّة والاضطراریّة، حتّی مثل‏‎ ‎‏صلاة الغرقی ونحوها، إلاّ ما لا تصدق علیها، کالإشارة إلیها لا نفسها.‏

وحینئذٍ : ‏فوقع النزاع فی أنّ لفظ الصلاة موضوعة للهیئة الجامعة لجمیع‏‎ ‎‏الأجزاء المعتبرة فیها مع اختلاف الحالات، ولا تصدق مع فقد بعضها، أو للأعمّ منها‏‎ ‎‏ومن الفاقدة لبعضها، وتلک الهیئة متحقِّقة فی جمیع الحالات، فلا یحتاج إلی فرض‏‎ ‎‏جامع للصحیحی وآخر للأعمّی؛ لکلّ منهما مستقلاً عن الآخر، بل یکفی تصویر‏‎ ‎‏جامع واحد لکلا القولین، وتقدّم أنّه لا یحتاج إلی ذکر لفظ الصحیح والفاسد فی‏‎ ‎‏عنوان البحث، بل هو مخلّ بالإفهام والمقصود وموجب للتعمیة فی البحث، وما ذکرناه‏‎ ‎‏فی محطّ البحث هو الموافق للعرف والوجدان والشرع وانطباق الأخبار علیه أیضاً.‏‎ ‎‏ولعلّه مراد اُستاذنا الحائری ‏‏قدس سره‏‏ فی «الدرر»‏‎[1]‎‏ أیضاً، وتعلّق الأمر بهذه الهیئة هو عین‏‎ ‎‏تعلّقه بالأجزاء یدعو إلی الإتیان بالأجزاء؛ إذ لیست الهیئة أمراً آخر سوی الأجزاء‏‎ ‎‏فالأمر بها أمر بالأجزاء.‏

وبهذا یظهر فساد ما قیل : ‏من أنّ الأمر بالأجزاء ضمنی أو غیری وإنّ الأمر‏‎ ‎‏الأصلی النفسی متعلّق بالهیئة؛ إذ لو کان الأمر بالأجزاء غیریّاً لزم الصحّة وتحقّق‏‎ ‎‏الامتثال بالإتیان بها ولو بدون قصد القربة والوجه، ولا یلتزم به أحد.‏

‏وظهر أیضاً اندفاع ما یمکن أن یورد علی ما ذکرناه : بأنّه مستلزم للقولِ‏‎ ‎‏بالاشتغال وعدم جریان البراءة لو شُکّ فی شرطیّة شیء أو جزئیّتة للصلاة بتوهم أنّه‏‎ ‎‏من قبیل الشکّ فی المحصّل؛ لأنّ لمتعلّق الأمر حینئذٍ ـ وهو الهیئة ـ مفهوماً مُبیَّناً،‏
‎[[page 110]]‎‏والشکّ إنّما هو فی محصِّلة ـ أی الأجزاء ـ وتقرّر فی محلّه أنّ مقتضی القاعدة فی مثله‏‎ ‎‏الاشتغال؛ إذ قد عرفت أنّ الهیئة لیست أمراً مُغایراً للأجزاء، بل هی نفسها والأمر بها‏‎ ‎‏أمر بالأجزاء، یدعو نحوها، فلو شُکَّ فی جزئیة شیء أو شرطیّة لها فمتعلّق الأمر غیر‏‎ ‎‏معلوم، ولا حجّة علی وجوب الإتیان به، فلا مانع من جریان البراءة فیه.‏

نعم:‏ بناءً علی ما ذهب إلیه فی «الکفایة» ـ من أنّ الموضوع له للفظ الصلاة‏‎ ‎‏ماهیّة بسیطة مستکشفة بالآثار‏‎[2]‎‏ ـ فالشکّ فی جزئیة شیء أو شرطیّته علی مبناه‏‎ ‎‏شکّ فی المحصّل فلابدّ أن یقول بالاشتغال.‏

‏وأمّا ما یظهر من المحقّق القمیّ ‏‏قدس سره‏‏ ـ من أنّ الموضوع له للفظ الصلاة هو‏‎ ‎‏الأرکان الأربعة أو الخمسة، وباقی الأجزاء والشرائط خارجة عن المسمّی الموضوع‏‎ ‎‏له عارض علیها‏‎[3]‎‏ ـ ففیه ما لا یخفی؛ إذ کیف یعقل عروض القراءة ـ مثلاً ـ علی‏‎ ‎‏الرکوع والسجود.‏

‏هذا کلّه فی بیان محطّ البحث.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 111]]‎

  • )) درر الفوائد : 50 ـ 51.
  • )) کفایة الاُصول : 40.
  • )) قوانین الاُصول 1 : 43 ـ 44، مطارح الأنظار : 7.

انتهای پیام /*