المطلب الثالث المنطوق والمفهوم وفیه فصول

التنبیه الثالث : فی تداخل الأسباب والمسبَّبات

کد : 149261 | تاریخ : 09/02/1394

التنبیه الثالث : فی تداخل الأسباب والمسبَّبات

‏إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء، نحو: «إذا بلت فتوضّأ، وإذا نمت فتوضّأ»، فهل‏‎ ‎‏یتداخل فیه الأسباب أو المسبّبات أو لا؟ ولابدّ فیه ـ أیضاً ـ من تقدیم اُمور :‏

الأمر الأوّل :‏ محطّ البحث : هو ما إذا اُحرز أنّ کلّ واحد من الشرطین علّة‏‎ ‎‏تامّة للجزاء، ومستقلّ فی التأثیر علیٰ فرض انفراده، فیقع البحث فیه فی التداخل، وأمّا‏‎ ‎‏إذا لم یُحرز ذلک، واحتُمل عدم استقلال کلّ واحد منهما فی التأثیر، وأنّ المؤثّر والعلّة‏‎ ‎‏التامّة هو مجموعهما، أو فرض احتمال الأعمّ من ذلک وممّا إذا اُحرز أنّ کلّ واحد منهما‏‎ ‎‏علّة تامّة مستقلّة، فلیس هو محطّ البحث فی التداخل وعدمه.‏

الأمرالثانی :‏ أنّ محلّ البحث : هو ما إذا کان الجزاء الواحد قابلاً للتکثُّر؛ لأجل‏‎ ‎‏أنّ الجزاء هو الطبیعة، وهی قابلة للتکثُّر فی أفرادها کالوضوء، أو لأجل أنّ المأخوذ‏‎ ‎‏فی الجزاء فی أحد الشرطین طبیعة من الوضوء، وفی الآخر طبیعة اُخریٰ منه بنحوٍ من‏‎ ‎‏أنحاء التغایر، بخلاف ما لیس کذلک کالقتل، فإنّه لیس محلَّ البحثِ والکلامِ هنا.‏

‏ولا فرق ـ أیضاً ـ بین أن یکون الشرطان تحت طبیعة واحدة ومن جنس‏‎ ‎‏واحد ـ کما لو قال : «إذا بلت فتوضّأ»، فبال المکلّف مرّتین ـ وبین اختلافهما فی‏‎ ‎‏الجنس والطبیعة، کما لو قال: «إذا بلت فتوضّأ، وإذا نمت فتوضّأ».‏

الأمر الثالث :‏ معنیٰ تداخل الأسباب هو أنّ المؤثِّر فی المسبَّب هو مجموعها أو‏‎ ‎‏أحدها علیٰ فرض انفراده، ومعنیٰ تداخل المسبَّبات هو أنّ المُقتضَیٰ ـ بالفتح ـ واحدٌ،‏‎ ‎‏وأنّ لکلّ واحد من الشرطین أثراً مُستقلاًّ، ومثّلوا لذلک بما لو قال: «أکرمْ عالماً، وأکرم‏‎ ‎‏هاشمیّاً» فأکرم هاشمیّاً عالماً‏‎[1]‎‏، فإنّه لاریب فی أنّه امتثال لأمرین بإکرام واحد، لکن‏‎ ‎‏فی هذا المثال نظر؛ لأنّ مورد تداخُل المسبّبات هو بعنیه مورد تداخل الأسباب،‏
‎[[page 291]]‎‏ولکنّه علیٰ فرض القول بعدم تداخل الأسباب قد یقال بتداخل المسبّبات، وقد‏‎ ‎‏عرفت أنّ محطّ البحث فی تداخل الأسباب : هو ما إذا اتّحد الجزاء لکلٍّ من الشرطین،‏‎ ‎‏والمثال لیس کذلک؛ لأنّ الإکرام المتعلِّق بالعالم غیر الإکرام المتعلِّق بالهاشمیّ،‏‎ ‎‏فتأمّل جیّداً.‏

الأمر الرابع :‏ أنّ البحث فی التداخل وعدمه إنّما هو فی اقتضاء القواعد اللفظیّة‏‎ ‎‏اللُّغویّة ذلک، فلابدّ أن یُفرض بعد الفراغ عن إمکانه عقلاً، وإلاّ فلو امتنع التداخل أو‏‎ ‎‏عدمه عقلاً، لاتصل النوبة إلیٰ البحث فی مقتضیٰ القواعد اللُّغویّة وانّه ماذا؟‏

فذهب بعضهم‏ إلیٰ امتناع عدم التداخل عقلاً؛ لأنّه لاریب فی أنّه یمکن أن‏‎ ‎‏یقال: «إذا جاءک زید فأکرمه، وإذا أکرمک زید یجب علیک إکرامه مرّتین»، وکذا لو‏‎ ‎‏قال: «إذا نمت وبلت یجب علیک وضوءان»، ولکن لو قال: «إذا نمت یجب علیک‏‎ ‎‏الوضوء، وإذا بلت یجب علیک الوضوء»، فعلیٰ فرض عدم تداخلهما، ووجوب الإتیان‏‎ ‎‏بالوضوء مرّتین، لابدّ أن یُقیِّده بقیدٍ، ولا یصحّ ذلک إلاّ أن یقول: «إذا بلت فتوضّأ،‏‎ ‎‏وإذا نمت توضّأ وضوءً آخر» وهذا القید ـ أیضاً ـ إنّما یصحّ فیما لو تقدّم أحد الشرطین‏‎ ‎‏فی الوجود والصدور من المکلّف دائماً، وتأخّر الآخر کذلک، وفیما نحن فیه لیس کذلک؛‏‎ ‎‏فإنّه قد یوجد المتأخّر متقدِّماً والمتقدّم متأخّراً، فلا یصحّ التقیید بالآخر ـ أی بهذا‏‎ ‎‏اللفظ ـ أیضاً، ومع عدم تقیید أحد الجزاءین بقید، فلا یتعدّد الجزاء، فیتداخلان، فلا‏‎ ‎‏یمکن عدم التداخل، فلا تصل النوبة إلی الاستظهار من الأدلّة‏‎[2]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّه یمکن التقیید بقیدٍ آخر غیر ما ذکره ـ أی قید «آخر» ـ لأنّه یمکن أن‏‎ ‎‏یقال: «إذا بلت فتوضّأ وضوءً من قِبَل البول، وإذا نمت فتوضّأ وضوءً من قِبَل النوم».‏

لا یقال:‏ لایجوز أن یُقیَّد المعلول بعلّته؛ لأنّه یلزم وقوعهما فی رتبة واحدة، وأن‏‎ ‎‏یکون المعلول فی رتبة العلّة.‏


‎[[page 292]]‎لأنّه یقال :‏ نعم تقیید المعلول بعلّته تکویناً وبذاته ممتنع للمحذور المذکور، وأمّا‏‎ ‎‏إذا لم یکن کذلک، بل قیّده المتکلّم بذلک، فلا یلزم المحذور المذکور.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 293]]‎

  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 240، وفوائد الاُصول 2 : 497 .
  • )) نهایة الاُصول 1 : 278 ـ 279 .

انتهای پیام /*