المطلب الثانی فی النواهی وفیه فصول

الفصل الرابع فی اقتضاء النهی فساد المنهیّ عنه

کد : 149278 | تاریخ : 09/02/1394

الفصل الرابع فی اقتضاء النهی فساد المنهیّ عنه

‏ ‏

‏هل النهی عن شیء یقتضی فساده أوْ لا؟ کذا عنونوا البحث‏‎[1]‎‏.‏

وعنونه بعضهم هکذا :‏ هل النهی عن الشیء یدلّ علیٰ فساد المنهیّ عنه أو لا‏‎[2]‎‏؟‏

‏لکن عنوانه کذلک لا یخلو عن إشکال، فإنّ الاقتضاء فی العُرف واللغة عبارة‏‎ ‎‏عن تأثیر شیء فی شیء آخر لولا المانع، ولیس للنهی تأثیر فی المنهیّ عنه.‏

‏وکذلک الدلالة، فإنّ غایة ما یمکن فی تقریب الدلالة هو أن یقال: حیث إنّ‏‎ ‎‏متعلَّق النهی مبغوض للمولیٰ، فلا تجتمع المبغوضیّة مع المحبوبیّة فی شیء واحد،‏‎ ‎‏فتستلزم المبغوضیّة المستفادة من النهی فسادَ ذلک الشیء، لکن هذا الاستلزام عقلیّ‏‎ ‎‏خفیّ، وعلیٰ فرض تسلیم أنّ الدلالة الالتزامیّة من الدلالات اللفظیّة، فهذا القسم لیس‏‎ ‎‏منها؛ لأنّه لابدّ فی الدلالة الالتزامیّة ـ التی هی من الدلالات اللفظیة ـ أن یکون‏‎ ‎‏اللزوم بینهما بیّناً، وما نحن فیه لیس کذلک، فإنّ اللزوم فیه غیر بیِّن، فالأولیٰ أن یعنون‏
‎[[page 247]]‎‏البحث هکذا: هل یستلزم النهی عن الشیء فساده أو لا؟ ویراد بالاستلزام ما یعمّ‏‎ ‎‏العقلیّ، أو یقال: هل یکشف تعلُّق النهی بشیء عن فساده أو لا؟‏

وعلیٰ أیّ تقدیر لابدّ هنا من تقدیم اُمور :

‏الأمر الأوّل :‏‏ قد عرفت الفرق بین هذه المسألة ومسألة الاجتماع، وأنّ الفرق‏‎ ‎‏بینهما إنّما هو فی مرتبة الذات بتمامها.‏

الأمر الثانی :‏ هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة بلا إشکال؛ لأنّ المناط فی‏‎ ‎‏المسألة الاُصولیّة إمکان وقوع نتیجتها فی طریق الاستنباط، وهی کذلک.‏

الأمر الثالث :‏ هذه المسألة هل هی من المسائل العقلیّة المحضة، أو اللّفظیّة‏‎ ‎‏المحضة، أو مرکّبة منهما؟‏

فقال بعضهم :‏ إنّها من المسائل الاُصولیّة العقلیّة المحضة‏‎[3]‎‏، وحیث إنّهم لم‏‎ ‎‏یجعلوا مسائل الاُصول علیٰ ثلاثة أقسام، بل قسمان، فجعلوها وعنونوها فی المباحث‏‎ ‎‏اللفظیّة من الاُصول.‏

‏والظاهر أنّها لا عقلیّة محضة، ولا لفظیّة محضة، بل هی مرکّبة منهما، ولا‏‎ ‎‏ضرورة لجعلها إمّا عقلیّة وإمّا لفظیّة، فیُعنْونُ البحث بما ذکرناه، وحینئذٍ یمکن‏‎ ‎‏الاستدلال بالدلیل اللفظی والعقلی معاً.‏

الأمر الرابع :‏ هل المراد من الصحّة هنا سقوط القضاء، ویُقابلها الفساد، أو أنّ‏‎ ‎‏الصحّة هنا بمعنیٰ موافقة الأمر، أو الشریعة، ویُقابلها الفساد، أو أنّ الصحّة بمعنیٰ التامّ،‏‎ ‎‏والفساد بمعنیٰ الناقص؟‏

قال فی «الکفایة» ما حاصله :‏ إنّ الصحّة والفساد أمران إضافیّان مرادفان‏‎ ‎‏للتمامیّة والنقص لغةً وعرفاً، واختلاف الفقیه والمتکلّم إنّما هو فی المهمّ فی نظرهما، وإلاّ‏‎ ‎‏فهما متّفقان فی أنّ الصحیح هو التامّ، والفاسد هو الناقص، لکن الفقیه عبّر عن ذلک‏
‎[[page 248]]‎‏بالمُسقط للقضاء، والمتکلّم بموافقة الشریعة، واختلافهما إنّما هو فیما هو المهمّ فی نظرهما،‏‎ ‎‏وإلاّ فهما عندهما بمعنیً واحد ـ أی التمامیّة والنقص ـ فالصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء،‏‎ ‎‏الفاقدة للشرائط صحیحة بالنسبة إلیٰ الأجزاء؛ بمعنیٰ أنّها تامّة الأجزاء، وفاسدة‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الشرائط؛ أی ناقصة بالإضافة إلیها، وکذلک اختلاف الُمجتهدین فی‏‎ ‎‏الأحکام الظاهریّة لها، فإنّها یمکن أن تکون صحیحة فی نظر مجتهد، وفاسدة فی نظر‏‎ ‎‏مجتهدٍ آخر، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهری صحیحة عند المتکلّم والفقیه؛ بناءً علی‏‎ ‎‏أنّ الأمر ـ فی تفسیر الصحّة بموافقة الأمر ـ یعمّ الأمر الظاهریّ مع اقتضائه الإجزاء،‏‎ ‎‏وغیر صحیحة عند الفقیه بناءً علیٰ عدم الإجزاء، ومراعی بموافقة الأمر الواقعی عند‏‎ ‎‏المُتکلّم؛ بناءً علیٰ إرادة خصوص الأمر الواقعیّ فقط‏‎[4]‎‏. انتهیٰ ملخّص کلامه ‏‏قدس سره‏‏.‏

أقول :‏ أمّا الصحّة والفساد فی التکوینیّات عند العرف واللغة فلیستا مرادفین‏‎ ‎‏للتمامیّة والنقص، بل هما أمران وجودیّان، فإنّ البطّیخ الذی عرضه شیء صار فاسداً‏‎ ‎‏بسببه، یقال : إنّه فاسد، لا ناقص، بخلاف ما إذا لم یعرضه ذلک، وکان علیٰ طبیعته‏‎ ‎‏الأصلیّة، فإنّه یُطلق علیه الصحیح، ولا یطلق علیه التامّ عند العرف واللغة، والأعمیٰ‏‎ ‎‏الفاقد للبصر أو الشخص الفاقد لعضو من الأعضاء ، فإنّه یطلق علیهما الناقص، ولا‏‎ ‎‏یطلق علیهما الفاسد، والدار الفاقدة لما یُعتبر فی تمامها، فإنّه یُطلق علیها أنّها ناقصة،‏‎ ‎‏ولا یطلق علیها أنّها فاسدة.‏

وبالجملة :‏ بین الصحّة والتمامیّة عموم من وجه عند العرف واللغة، وکذلک بین‏‎ ‎‏الفاسد والناقص.‏

‏وأمّا فی العبادات والمعاملات فإن کانت الصحّة والفساد فیهما مثل غیرهما من‏‎ ‎‏التکوینیّات فکذلک، وإطلاقهما بمعنیٰ التمامیّة والنقص فی العبادات والمعاملات إمّا هو‏‎ ‎‏اصطلاح خاصّ للمتشرّعة، وإمّا لأنّه اُطلقا علیهما بنحو المجاز والمسامحة، حتیٰ صارتا‏
‎[[page 249]]‎‏حقیقتین فیهما، فهما أمران إضافیّان بینهما تقابل العدم والملکة، کالتمامیّة والنقص، فإنّ‏‎ ‎‏الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء صحیحة؛ بمعنیٰ التمامیّة بالإضافة إلیها، وإن فقدت‏‎ ‎‏الشرائط فهی فاسدة بالنسبة إلیها؛ بمعنیٰ أنّها ناقصة بالإضافة إلیها.‏

‏وأمّا ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ من أنّه یمکن أن تکون عبادةٌ صحیحةً فی نظر مجتهد، وفاسدةً‏‎ ‎‏فی نظر آخر، ففیه : أنّه لیس ذلک معنیٰ الإضافة، بل الصحیح هو أحد النظرین،‏‎ ‎‏والآخر لیس بصحیح واقعاً وإن کان معذوراً فی ذلک.‏

وبالجملة :‏ کلّ واحد من المجتهدینِ المختلفینِ فی النظر فی الأحکام الظاهریّة‏‎ ‎‏یُخطّئ الآخر، وأنّ الصحیح فی الواقع هو أحدهما.‏

‏وأمّا مسألة إجزاء الأمر الظاهری وعدم إجزائه فغیر مربوطة بالمقام؛ بناءً علیٰ‏‎ ‎‏ما ذکروه فی باب الإجزاء: من أنّ الأمر الظاهری أو الاضطراری هل یقتضی الإجزاء‏‎ ‎‏عن الأمر الواقعی فیسقط، أو لا؟ ففرضوا لذلک أمرین، وأنّ أحدهما هل یُسقط‏‎ ‎‏الآخر أو لا؟ وذلک لأنّ المأمور به بالأمر الظاهری أو الاضطراری إن کان واجداً‏‎ ‎‏للملاک والمصلحة واقعاً، فهو صحیح مطلقاً، وإلاّ ففاسد کذلک، لکن لایُعاقب علیه‏‎ ‎‏للعذر فی ذلک، ولا ارتباط لذلک بالصحّة والفساد، کما لا یخفیٰ.‏

ثمّ إنّ الصحّة والفساد‏ هل هما أمران مجعولان فی العبادات والمعاملات ، أو لا‏‎ ‎‏فیهما، أو أنّهما مجعولان فی المعاملات من حیث إنّ ترتُّب الأثر علیٰ معاملة إنّما هو‏‎ ‎‏بجعل الشارع، دون العبادات، أو أنّهما مجعولان فی العبادات المأمور بها بالأمر‏‎ ‎‏الظاهری، دون العبادات المأمور بها بالأوامر الواقعیّة؟‏

أقوال :‏ اختار ثالثها ورابعها فی «الکفایة»‏‎[5]‎‏، ووافقه فی الثالث المیرزا‏‎ ‎‏النائینی ‏‏قدس سره‏‎[6]‎‏.‏


‎[[page 250]]‎والتحقیق :‏ هو القول الثانی، وذلک فإنّا وإن أثبتنا فی محلّه: أنّ الأحکام‏‎ ‎‏الوضعیّة ممّا یمکن أن تنالها ید الجعل استقلالاً، لکن الصحّة هنا : عبارة عن موافقة‏‎ ‎‏المأتیّ به للمأمور به، والفساد عدمها، وهی من الاُمور التکوینیّة، وأمّا جعل الآثار‏‎ ‎‏فلایستلزم جعل الصحّة.‏

‏واستدل المیرزا النائینی لمجعولیّتهما فی الأحکام الظاهریة : بأنّ الشارع جعل‏‎ ‎‏الصلاة مع الطهارة المستصحَبة موافقةً لها مع الطهارة الواقعیّة بقوله : (لاتنقض الیقین‏‎ ‎‏بالشک)‏‎[7]‎‏، ولیس المراد بالمجعولیّة إلاّ ذلک‏‎[8]‎‏.‏

‏وفیه : أنّ الشارع إمّا أنّه رفع الید عن شرطیّة الطهارة الواقعیّة للصلاة فی‏‎ ‎‏الفرض فی صورة الشکّ بقوله : (لاتنقض الیقین بالشک) ، فالصلاة مع الطهارة‏‎ ‎‏المُستصحَبة ـ حینئذٍ ـ صحیحة موافقة للواقع، وهذه الموافقة لیست مجعولة، أو أنّه‏‎ ‎‏لم یرفع یده عن شرطیّتها، بل حکم بالصلاة باستصحاب الطهارة؛ تسهیلاً للعباد‏‎ ‎‏وإرفاقاً لهم، فهی لیست بصحیحة، بل فاسدة، غایة الأمر أنّه لا یُعاقب العبد علیها؛‏‎ ‎‏لمکان العذر.‏

وبالجملة :‏ موافقة المأتیّ به للمأموربه وعدمها لیستا مجعولتین والصحّة‏‎ ‎‏والفساد عبارتان عن ذلک.‏

الأمر الخامس :‏ هل یختص محط البحث وعنوانه بالنهی التحریمی، أو أنّه‏‎ ‎‏یعمّ التنزیهی؟‏

قد یقال :‏ إنّ النهی التنزیهی خارج عن محلّ النزاع؛ لأنّه متضمِّن للرخصة فی‏
‎[[page 251]]‎‏الفعل، فیقع صحیحاً‏‎[9]‎‏.‏

‏ووجهه : أنّ النهی فی مثل : «لاتصلِّ فی الحمّام» متعلّق بالکون فی الحمّام حال‏‎ ‎‏الصلاة وإیجاد الصلاة فیه، لا بنفس الصلاة لیشمله النزاع.‏

وفیه :‏ أنّه لا اختصاص لهذا البحث بالنواهی الشرعیّة، بل هو کلی شامل‏‎ ‎‏للنواهی العرفیّة ـ أیضاً ـ وتعلُّق نهی تنزیهیّ خاصّ فی الشریعة بخصوصیّة ـ لابنفس‏‎ ‎‏العبادة ـ لا یوجب خروج النواهی التنزیهیّة کلّها عن ذلک، فإنّ خروج ذلک فی مورد‏‎ ‎‏إنّما هو لخروجه عن موضوع البحث، لا لأنّ البحث مخصوص بغیر النواهی التنزیهیّة.‏

‏مع أنّا لا نسلّم تعلُّق النهی فی «لا تصلِّ فی الحمّام» بالخصوصیّة، مضافاً إلیٰ أنّه‏‎ ‎‏ربّما یتعلّق النهی التنزیهی بعنوان العبادة، کالنهی عن صوم یوم عاشوراء ونحوه.‏

‏کما أنّه لا اختصاص للنزاع بالنهی النفسی الأصلیّ، بل یشمل التبعیّ والغیریّ‏‎ ‎‏أیضاً، فإنّه لا وجه لتوهّم خروجهما عن محطّ البحث، ‏إلاّ ما قیل:

‏من إنّ النهی الغیریّ فی مثل «لا تصلِّ فی وبر ما لا یؤکل لحمه» إرشاد إلی‏‎ ‎‏الفساد، ومع فساده لا یتوهّم الصحّة کی ینازع فی ذلک.‏

‏وأیضاً النهی التبعیّ الغیریّ ـ الذی یقتضیه الأمر بالشیء ـ مبنیّ علیٰ مسألة‏‎ ‎‏الضدّ، واحتمال فساد الصلاة بالنهی الغیریّ إنّما هو لأجل عدم الأمر بها حینئذٍ، لکن‏‎ ‎‏لانُسلّم عدم وجود الأمر بالعبادة التی تعلّق بها الأمر الغیریّ، بل یمکن فرض وجود‏‎ ‎‏الأمر بها بنحو الترتُّب، وعلیٰ فرض عدم الأمر فالعبادة المنهیّ عنها بالنهی الغیریّ‏‎ ‎‏صحیحة؛ بسبب وجود ملاک العبادة فی الصلاة، ولا یحتاج فی صحّة العبادة الیٰ تعلُّق‏‎ ‎‏الأمر بها، وحینئذٍ فالصلاة مع تعلُّق النهی الغیریّ التبعیّ بها صحیحة، فلا وجه‏‎ ‎‏للنزاع فی اقتضاء الأمر الغیری للفساد وعدمه‏‎[10]‎‏.‏


‎[[page 252]]‎وفیه :‏ أنّ ذلک مبنیّ علیٰ صحّة الترتُّب، أو القول بعدم احتیاج صحّة العبادة‏‎ ‎‏إلی الأمر، فمن لا یصحّ عنده الترتُّب وذهب إلیٰ توقّف العبادة علیٰ الأمر بها، وعدم‏‎ ‎‏کفایة مجرّد وجود الملاک، فلابدّ أن یقول ببطلان الصلاة مع تعلُّق النهی الغیریّ أو‏‎ ‎‏التبعیّ بها.‏

فالتحقیق :‏ أنّ محطّ البحث یعمّ النهی التحریمی والغیری والتبعی والأصلی‏‎ ‎‏والنفسی، کما اختاره فی «الکفایة».‏

الأمر السادس :‏ المُراد بالشیء ـ فی قولنا : النهی عن الشیء هل یقتضی الفساد؟‏‎ ‎‏ـ هو العبادة أو المعاملة .‏

‏والمراد بالعبادة ما یصلح للعبادیّة بالذات، أو ما لو اُمر به کان عبادة تحتاج فی‏‎ ‎‏تحقُّقها إلیٰ قصد التقرّب.‏

‏والمراد بالمعاملة هی العناوین العرفیّة التی یعتبرها العقلاء، ویُرتِّبون علیها‏‎ ‎‏الآثار، کالبیع والإجارة ونحوهما.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ کلّ عنوان اعتباریّ یقع تارةً صحیحاً یترتّب علیه الآثار،‏‎ ‎‏واُخریٰ فاسداً لا یترتّب علیه الأثر، وأمّا ما لا یقع فی الخارج إلاّ صحیحاً کالقتل، أو‏‎ ‎‏ما لا یقع فیه إلاّ فاسداً، فهو خارج عن محطّ البحث، فإنّ القتل لیس علیٰ قسمین‏‎ ‎‏صحیح وفاسد، بل هو صحیح دائماً، لکن قد لا یترتّب علیه الأثر، کقتل الأب ابنه،‏‎ ‎‏لعدم ترتُّب القصاص علیه.‏

الأمر السابع :‏ لا أصل فی المسألة الاُصولیّة یُعوَّل علیه عند الشکّ فی الاقتضاء‏‎ ‎‏وعدمه؛ لأنّ النزاع إمّا فی دلالة لفظ النهی، وإمّا فی ثبوت الملازمة بین المبغوضیّة‏‎ ‎‏والفساد:‏

وعلی الأوّل :‏ فلیس لعدم الفساد حالة سابقة لیُستصحب حالَ النهیوبعده، فإنّ‏‎ ‎‏عدم الفساد قبل النهی إنّما هو لأجل عدم صدوره، فلا یصحّ استصحابه بعد صدوره.‏


‎[[page 253]]‎وعلیٰ الثانی :‏ فإن قلنا بأنّ الملازمات أزلیّات ـ کما ذکره بعض‏‎[11]‎‏ـ فلیس‏‎ ‎‏لعدمها حالة سابقة لتستصحب، وإلاّ فعدم وجود الملازمة قبل النهی إنّما هو لأجل‏‎ ‎‏عدم وجود الملازم، فلا یمکن استصحابه بعد وجوده ـ أی النهی ـ وصدوره.‏

‏ولو سلّمنا صحّة الاستصحاب من هذه الجهة وعدم الإشکال فیه؛ لوجود‏‎ ‎‏الحالة السابقة لعدم الدلالة علیٰ الفساد أو عدم الملازمة، لکن یُشترط فی جریان‏‎ ‎‏الاستصحاب ـ وسائر الاُصول فی الموضوعات الخارجیّة ـ وجودُ کُبریٰ کلّیّة ثابتة؛‏‎ ‎‏کی یثبت بإجراء الاُصول موضوع تلک القاعدة الکلّیّة، کما فی استصحاب العدالة‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ فإنّه یثبت به موضوع کُبریٰ جواز الاقتداء بالعادل، ولیس فیما نحن فیه کُبریٰ‏‎ ‎‏کذلک؛ حتّیٰ یثبت بالاستصحاب موضوعها.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لابدّ فی الاستصحابات الموضوعیّة من ترتُّب أثرٍ شرعیٍّ‏‎ ‎‏علیها وهو مفقود فیما نحن فیه. هذا کلّه بالنسبة إلی الأصل فی المسألة الاُصولیّة.‏

‏وأمّا بالنسبة إلی الأصل الفرعی فی المسألة الفرعیّة : أمّا فی المعاملات: فأصالة‏‎ ‎‏الفساد فیها متّبعة؛ لأنّ ترتُّب الآثار إنّما هو بجعل الشارع أو بإمضائه، فمتیٰ شُکّ فی‏‎ ‎‏صحّة معاملة فالأصل عدم ترتُّب الآثار علیها.‏

وأمّا فی العبادات :‏ لو شکّ فی دلالة النهی علیٰ الفساد، أو فی ثبوت الملازمة‏‎ ‎‏بین الفساد والمبغوضیّة فإن اُحرز فی العبادات المنهیّ عنها وجود الملاک والمصلحة ـ‏‎ ‎‏کما فی صورة العجز عنها، فإنّ الملاک فیها موجود، غایة الأمر أنّ المکلّف عاجز عن‏‎ ‎‏الإتیان بها ومعذور ـ فمقتضیٰ الأصل هو الصحّة، وإن لم یحرز فیها وجود الملاک‏‎ ‎‏والمصلحة ـ کما هو الظاهر فیما نحن فیه؛ لأنّه لا طریق لإثبات ذلک إلاّ تعلّق الأمر بها‏‎ ‎‏فی الشریعة، والمفروض أنّها منهیّ عنها، وحینئذٍ فلا یمکن تعلُّق الأمر بها؛ لیکشف به‏‎ ‎‏وجود الملاک ـ فمقتضیٰ الأصل الفساد.‏


‎[[page 254]]‎وأمّا تقریر الأصل العملی فی العبادة :‏ بأنّه إن تعلّق النهی بنفس العبادة فمقتضیٰ‏‎ ‎‏الأصل هو الاشتغال؛ لأنّ الشکّ إنّما هو فی خروج العهدة عن الاشتغال الیقینی بها،‏‎ ‎‏ومقتضاه تحصیل البراءة الیقینیّة، ولا تحصل بالإتیان بالعبادة المنهیّ عنها.‏

‏وإن تعلّق النهی بالجزء أو الشرط فمرجعه إلیٰ مسألة الأقل والأکثر؛ لأنّ الشک‏‎ ‎‏ـ حینئذٍ ـ فی مانعیّة الجزء أو الشرط.‏

ففیه :‏ أنّ محطّ البحث هو أنّ النهی لو تعلّق بعبادة، هل یستلزم فسادها، أو‏‎ ‎‏لا؟ فلابدّ من إحراز تعلّقه بالعبادة ذاتها، فالجزء والشرط إن کانا عبادة کالرکوع‏‎ ‎‏والوضوء، فهما ـ أیضاً ـ داخلان فی محطّ البحث وعنوانه، فیقال: إنّ النهی المتعلّق‏‎ ‎‏بالرکوع ـ الذی هو عبادة ـ هل یستلزم فساده، أو لا؟ وکذلک الشرط العبادی.‏

‏وأمّا استلزام فسادِ الجزء أو الشرط فسادَ الکلّ والمشروط، فهو مسألة اُخریٰ‏‎ ‎‏لاربط لها بما نحن فیه، لعلّنا نتعرّض لها فی خاتمة البحث إن شاء الله .‏

ومن هنا یظهر فساد ما ذکره فی «الکفایة» :‏ من جعل النهی المتعلّق بالعبادة‏‎ ‎‏علیٰ أقسام، وأنّه إمّا یتعلّق بنفس العبادة ، أو جزئها، أو شرطها، أو وصفها الخارج‏‎ ‎‏اللازم لها أو المقارن‏‎[12]‎‏؛ لأنّ متعلّق النهی فی جمیع ذلک هو العبادة نفسها لو کانت هذه‏‎ ‎‏ـ أی الأجزاء والشرائط ـ عبادة، لا أنّها جزء أو شرط لها، بل هی بما أنّها عبادة‏‎ ‎‏متعلَّقةٌ للنهی ومحلُّ البحث، وإن لم تکن هذه ـ أی الأجزاء والشرائط ـ عبادة بنفسها‏‎ ‎‏فهی خارجة عن محطّ البحث.‏

وتحقیق ما هو الحقّ فی المقام یحتاج إلیٰ بسطِ الکلام فی مقامین :

‏الأوّل :‏‏ ما إذا لم یُحرز عنوانُ النهی أنّه إرشادیّ أو مولویّ، تحریمیّ أو تنزیهیّ،‏‎ ‎‏نفسیّ أو غیره.‏

الثانی :‏ ما إذا اُحرز ذلک.‏


‎[[page 255]]‎أمّا المقام الأوّل :‏ فلا إشکال فی أنّ المستفاد منه عرفاً هو الإرشاد إلیٰ الفساد‏‎ ‎‏فی العبادات والمعاملات، وأنّ مفاده عدم ترتُّب الآثار المترقَّبة منها.‏

والاحتمالات فی المعاملات ثلاثة :

‏أحدها :‏‏ أن یتعلّق النهی فیها بالأسباب، کلفظ «بعت» و «اشتریت» الذی هو‏‎ ‎‏فعل مباشریّ.‏

الثانی :‏ أن یتعلّق بالعنوان الذی یعتبره العقلاء؛ أی النقل والانتقال المسببیّن‏‎ ‎‏عن الأسباب المذکورة عند العقلاء .‏

الثالث :‏ أن یتعلّق بترتیب الآثار علیها؛ أی التصرّف فیه من الأکل والشرب‏‎ ‎‏ونحوهما.‏

‏فلا إشکال فی أنّ المستفاد من النهی عنها عرفاً هو الثالث من الاحتمالات، فإذا‏‎ ‎‏قیل: «لا تبع ربویّاً» معناه أنّه لا تترتّب علیهالآثار المترقَّبة من البیع، ولیس نهیاً عن‏‎ ‎‏إیجاد سببه بما هو فعل مباشریّ، وهو التلفُّظ بلفظ «بعت» مثلاً، ولیس نهیاً ـ أیضاً ـ‏‎ ‎‏عن اعتبار الملکیّة والنقل والانتقال ولو مع عدم ترتُّب الأثر علیها، وکذلک فی‏‎ ‎‏العبادات، فإنّه عرفاً إرشاد إلیٰ فسادها، وأنّه لا یترتّب علیها الآثار المطلوبة منها من‏‎ ‎‏فراغ الذمّة عن التکلیف وخروجه عن العُهدة، فکما أنّ المستفاد من «صلِّ مع الطهارة»‏‎ ‎‏أنّ الطهارة شرط لها، وأنّه لا یترتّب علیها الآثار المترقَّبة منها، کذلک یستفاد من‏‎ ‎‏قوله: (لاتُصلِّ فی وَبرِ ما لا یُؤکل لحمُه)‏‎[13]‎‏ مانعیّة ذلک إلیٰ غیر ذلک، والحاکم بذلک‏‎ ‎‏هو العرف، والشاهد علیه الوجدان، وإلاّ فلا دلیل آخر علیٰ إثبات ذلک.‏

وأمّا المقام الثانی :‏ فالبحث فیه: إمّا فی العبادات، وإمّا فی المعاملات:‏

أمّا الأوّل :‏ فإن اُحرز أنّ النهی المتعلّق بالعبادة تحریمیّ تکلیفیّ، فلاریب فی أنّه‏‎ ‎‏یستلزم الفساد؛ حیث إنّه یدلّ علیٰ مبغوضیّتها للمولیٰ، وأنّها ذات مفسدة بهذا العنوان‏
‎[[page 256]]‎‏الواحد، ومعه لا یمکن أن تقع محبوبةً، وذاتَ مصلحة یتقرّب بها إلیٰ الله تعالی شأنه،‏‎ ‎‏وذلک هو معنی الفساد، ولیس ذلک من باب اجتماع الأمر والنهی ـ بأن یکون النهی‏‎ ‎‏متعلِّقاً بالخصوصیّة فی مثل «لا تُصلِّ فی المکان المغصوب»، والأمر متعلِّقاً بعنوان‏‎ ‎‏الصلاة ـ المتصادقین علیٰ مصداق واحد، کما أتعب المحقّق الحائریّ نفسه الزکیّة‏‎ ‎‏بذلک‏‎[14]‎‏، فإنّه ـ حینئذٍ ـ خارج عن عنوان البحث الذی فُرض فیه تعلُّق النهی بنفس‏‎ ‎‏العبادة، لا بما هو خارج عنها.‏

‏وأمّا إذا اُحرز أنّ النهی تنزیهیّ فلا فرق بینه وبین التحریمیّ من جهة حکم‏‎ ‎‏العقل؛ حیث إنّه یدلّ النهی التنزیهیّ علیٰ مرجوحیّة متعلَّقه ومطلوبیّة ترکه، ولا‏‎ ‎‏یصلح المرجوح لأن یُتقرَّب به إلی الله سبحانه، لکنّه فی العرف لیس کذلک، فإنّهم ـ‏‎ ‎‏من جهة أنّه تنزیهیّ متضمِّن للرُّخصة فی الفعل ـ یُؤوِّلونه إلیٰ ما یمکن معه فرض‏‎ ‎‏الصحّة، مثل الإرشاد إلیٰ أنّ هذا الفرد أقلّ ثواباً من غیره، أو غیر ذلک، فلا إشکال‏‎ ‎‏فی ذلک أیضاً.‏

‏وإذا اُحرز أنّ النهی غیریّ أو تبعیّ أو هما معاً، کما إذا قلنا بأنّ الأمر بالشیء‏‎ ‎‏یقتضی النهی عن ضدّه، فأَمرَ المولیٰ بإزالة النجاسة عن المسجد، ومع ذلک أخذ العبد‏‎ ‎‏بالصلاة المنهیّ عنها بالنهی الغیریّ التبعیّ، الذی اقتضاه الأمر بالإزالة، أو قلنا بأنّ‏‎ ‎‏ترک الضدّ واجب من باب المقدّمة، فلا یدلّ النهی الغیریّ علیٰ حرمة المنهیّ عنه، فإنّ‏‎ ‎‏المطلوب هو ذو المقدّمة، وهو محبوب، وأمّا المقدّمة فهی لیست محبوبة ولا مبغوضة،‏‎ ‎‏فالمنهیّ عنه بالنهی الغیریّ لیس مبغوضاً؛ حتیٰ یستلزم الفساد ولو فی العبادات.‏

‏وأمّا حرمة التجرّی فالتجرّی علیٰ المولیٰ بترک إزالة النجاسة المأمور بها،‏‎ ‎‏لایوجب مبغوضیّة الصلاة التی یتوقّف امتثال الأمر بالإزالة علیٰ ترکها، فإنّه اجترأ‏‎ ‎‏علی المولیٰ بترک الإزالة، ولا ارتباط له بالصلاة، وإلاّ یلزم القول ببطلان صلاة من‏
‎[[page 257]]‎‏أفطر صومه اجتراءً علی المولیٰ، مع وضوح فساده. هذا کلّه فی العبادات.‏

‏وأمّا الثانی ـ أی فی المُعاملات ـ فإن اُحرز أنّ النهی المتعلِّق بها تحریمیّ، فهذا ـ‏‎ ‎‏أیضاً ـ یُتصوّر علیٰ وجهین :‏

أحدهما :‏ أن تُحرز الحیثیّة التی تعلّق بها النهی.‏

الثانی :‏ ما لم یُحرز ذلک.‏

والوجه الأوّل‏ ـ أیضاً ـ إمّا أن یُحرز فیه أنّ النهی تعلّق بما هو فعل بالمباشرة‏‎ ‎‏من المعاملة، وهو قول : «بعت» و «اشتریت» ـ مثلاً ـ وهذا مجرّد فرض وتصوُّر، ولم‏‎ ‎‏نظفر له علیٰ مثال.‏

‏وأمّا تمثیل الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ له بالنهی عن البیع وقت النداء‏‎[15]‎‏؛ فمراده ـ أیضاً ـ فرض‏‎ ‎‏ذلک، وإلاّ فلیس النهی فیه متعلِّقاً بمجرّد قول : «بعت» و «اشتریت».‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر لایدلّ النهی فی هذا القسم علیٰ الفساد؛ لعدم المُنافاة بین‏‎ ‎‏مبغوضیّة التلفُّظ ب «بعت» و «اشتریت» وسببیّة ذلک للنقل والانتقال.‏

‏وإمّا أن یُحرز أنّ النهی متعلِّق بالعنوان الاعتباریّ المسبَّب عن التلفُّظ ب «بعت»‏‎ ‎‏الذی هو فعل مباشریّ، کالنقل والانتقال، وذلک کالنهی عن تملُّک الکافر للمسلم أو‏‎ ‎‏القرآن المجید مثلاً.‏

فقال الشیخ ‏رحمه الله‏‏ :‏‏ إنّ ذلک یحتمل وجهین :‏

أحدهما :‏ أن تکون سببیّة هذا اللفظ للنقل والانتقال شرعیّة مجعولة للشارع.‏

الثانی :‏ أن تکون عقلیّة تکوینیّة، لکن حیث إنّه لا یُدرکها العقل کشف عنها‏‎ ‎‏الشارع.‏

فعلیٰ الثانی :‏ فالنهی لا یدلّ فیه علیٰ الفساد؛ لعدم التنافی بین مبغوضیّة ذلک‏‎ ‎‏السبب التکوینیّ وبین تأثیره فی وجود المسبَّب.‏


‎[[page 258]]‎وأمّا علیٰ الأوّل :‏ فمبغوضیّة السببیّة المجعولة مع تأثیرها فی إیجاد النقل‏‎ ‎‏والانتقال فی غایة البعد، فالنهی ـ حینئذٍ ـ یدلّ علی الفساد‏‎[16]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول :‏ هنا وجه ثالث : وهو أن لا تکون السببیّة عقلیّة تکوینیّة ولا تشریعیّة،‏‎ ‎‏بل عرفیّة عقلائیّة، فإنّ العقلاء یعتبرون وجود الملکیّة بالتلفُّظ ب «بعت» و «اشتریت»،‏‎ ‎‏وهو سبب عندهم لها، ویتعلّق النهی فی هذا القسم بهذا العنوان الاعتباریّ، وهذا‏‎ ‎‏الوجه هو المتعیِّن، فإن کان النهی عنه ردعاً لهذه الطریقة العقلائیّة وبنائهم، فمقتضاه‏‎ ‎‏الفساد، کما فی النواهی الإرشادیّة، وإن قلنا بأنّه لیس ردعاً لها، بل هو مجرّد زجر عن‏‎ ‎‏سلوکها، فیدلّ علیٰ مبغوضیّتها مع تأثیر السبب أثره علیٰ فرض وقوعه فی إیجاد‏‎ ‎‏المسبّب، فلا یقتضی الفساد حینئذٍ.‏

‏ثمّ لو تنزّلنا عن ذلک، وقلنا : إنّ السببیّة مجعولة شرعیّة، لکن لیس المجعول هو‏‎ ‎‏سببیّة هذا اللفظ للانتقال الخاصّ، بل المجعول السببیّة لکلّیّ اللفظ للانتقال بالمعنی‏‎ ‎‏الکلّیّ، ولا یستلزم مبغوضیّة فرد خاصّ من السببیّة فسادَ کلّیّتها، بل لا منافاة بین‏‎ ‎‏مبغوضیّتها وبین صحّتها کلیّاً وتأثیرها، فإنّ المجعول هو الکلّیّ، والمبغوض هو الفرد.‏

لا یقال :‏ الحکم بالصحّة هنا لغوٌ؛ حیث إنّه لا معنیٰ لها مع مبغوضیّتها ووجوبِ‏‎ ‎‏إجبار الکافر علی البیع من مسلم أو المصحف الذی اشتراه من مسلم وفرضِ صحّته.‏

فإنّه یقال :‏ لا مانع من ذلک؛ لوقوع نظائره فی الشریعة، فإنّ شراء الولد والدیه‏‎ ‎‏صحیح، مع أنّهما ینعتقان علیه، ولو فُرض النهی عن تسبُّب شیء لشیء، وکان هو‏‎ ‎‏المبغوض بدون مبغوضیّة ذات السبب ولا المسبَّب، فالنهی فیه یدلّ علی الصحّة؛ لأنّه‏‎ ‎‏تعتبر القدرة فی متعلَّق النهی، کما فی الأمر، ومع الفساد لیس هو بمقدور، ومثّلوا لذلک‏‎ ‎‏بالظِّهار، فإنّ طلاق المرأة مطلقاً لیس مبغوضاً، وکذلک مجرّد التلفُّظ ب «أنتِ علیَّ کظهر‏‎ ‎‏اُمّی»، فإنّه بما أنّه فعل مباشریّ لیس مبغوضاً، بل المبغوض هو التسبُّب للطلاق‏
‎[[page 259]]‎‏باللفظ المذکور.‏

ولا یرد علیه ما ذکره بعضهم :‏ من أنّ المبغوضیّة تُنافی الصحّة‏‎[17]‎‏؛ لأنّ الحکم‏‎ ‎‏بالصحّة إنّما هو لشمول الإطلاقات والعمومات لذلک.‏

‏وأمّا إذا تعلّق النهی التحریمیّ بترتیب الآثار، کالنهی عن البیع الربویّ بلحاظ‏‎ ‎‏أثره، کالتصرُّف فی الثمن والمثمن ونحوه، فهو مستلزم للفساد؛ إذ لا معنیٰ للحکم‏‎ ‎‏بصحّة النقل والانتقال مع حرمة التصرُّف فیما انتقل إلیه، کما فی الموارد التی یکون‏‎ ‎‏النهی إرشاداً إلیٰ الفساد.‏

أمّا الوجه الثانی :‏ ـ وهو ما لم یحرز فیه تعلُّق النهی بحیثیّة خاصّة مع کونه‏‎ ‎‏تحریمیّاً ـ فقال الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ : إنّه یُحمل علیٰ تعلُّقه بالسبب بما هو فعل مباشریّ حفظاً‏‎ ‎‏للعنوان، وإلاّ یلزم أن یکون النهی غیریّاً، فإنّ الظاهر أنّ النهی متعلِّق بما هو فعل‏‎ ‎‏مباشریّ، فلو فُرض أنّ المبغوض مع ذلک هو العنوان الاعتباریّ المسبَّب عنه أو‏‎ ‎‏الآثار المطلوبة منه، لکان النهی غیریّاً توصُّلاً إلی الزجر عن غیره‏‎[18]‎‏، لکن الظاهر أنّه‏‎ ‎‏لیس کذلک، بل النهی فیه مثل النهی الإرشادیّ، متعلّق بما هو المتعارف عند العقلاء؛‏‎ ‎‏من اعتبار الملکیّة والنقل والانتقال وترتُّب الآثار علیها، فیدلّ علیٰ الفساد، کما لایخفیٰ.‏

وبالجملة :‏ المبغوض والمنهیّ عنه هو ما بنیٰ العقلاء علیه من اعتبار الملکیّة‏‎ ‎‏وترتُّب الآثار علیه.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 260]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 217 ، فوائد الاُصول 2 : 454، مقالات الاُصول 1: 134.
  • )) عدّة الاُصول : 99 سطر 12 ، الوافیة : 100 .
  • )) اُنظر فوائد الاُصول 2 : 455 .
  • )) کفایة الاُصول : 220 ـ 221 .
  • )) کفایة الاُصول : 221 ـ 222 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 392 .
  • )) التهذیب 1 : 8 باب الاحداث الموجبة للطهارة ح11، الوسائل 1 : 174 باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح1.
  • )) أجود التقریرات 1 : 392 .
  • )) المصدر السابق 1 : 386 .
  • )) اُنظر أجود التقریرات 1 : 387 .
  • )) فوائد الاُصول 2 : 462 .
  • )) کفایة الاُصول : 222 ـ 223 .
  • )) اُنظر الوسائل 3 : 250 ـ 252 باب 2 من أبواب لباس المصلّی.
  • )) درر الفوائد : 187 ـ 188 .
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 163 سطر 26 .
  • )) المصدر السابق.
  • )) اُنظر فوائد الاُصول 2 : 471 ـ 472 .
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 164 سطر 9 .

انتهای پیام /*