الفصل الرابع عشر فی أمر الآمر مع علمه بانتفاء الشرط

کد : 149318 | تاریخ : 09/02/1394

الفصل الرابع عشر فی أمر الآمر مع علمه بانتفاء الشرط

‏ ‏

‏هل یجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟ وقبل الخوض فی المطلب یقع‏‎ ‎‏الکلام فی محطّ البحث، وأنّه ماذا؟ فإنّه یتصوّر علیٰ وجوه :‏

الأوّل :‏ أنّه یحتمل أن یراد بالإمکان فیه هو الإمکان الذاتیّ؛ بأن یقال: هل‏‎ ‎‏یمکن صدور الأمر ذاتاً من الآمر مع علمه بانتفاء شرطه، أو لا؛ حیث إنّ الأمر من‏‎ ‎‏الأفعال الاختیاریّة، فلابدّ له من علّة تامّة مرکّبة من الأجزاء والشرائط، فمع انتفاء‏‎ ‎‏الشرط لا یمکن وجود المشروط؟‏

الثانی :‏ أن یراد بالإمکان الوقوعی منه، ویراد بالشرط شرط الأمر؛ بأن‏‎ ‎‏یقال: هل یمکن صدور الأمر ووقوعه فی الخارج من الآمر مع علم الامر بانتفاء شرط‏‎ ‎‏الأمر، وأنّه لا یلزم منه فی الخارج محذور، أو لا، بل یلزم من وجوده المحال؟‏

الثالث :‏ أن یُراد الإمکان الوقوعیّ ـ أیضاً ـ لکن یراد بالشرط شرط المأمور‏‎ ‎‏به ومتعلّق الأمر؛ أی شرط وجوده .‏

الرابع :‏ أن یراد الإمکان الوقوعی ـ أیضاً ـ لکن اُرید من الشرط شرط‏‎ ‎‏التکلیف، کقدرة العبد علیٰ الامتثال.‏


‎[[page 155]]‎وبعبارة اُخریٰ :‏ محلّ البحث هو : أنّه هل یجوز التکلیف بغیر المقدور أو لا؟‏

الخامس :‏ أن یقال : هل یجوز أمر الآمر وإنشاؤه للتکلیف مع علمه بانتفاء‏‎ ‎‏شرط فعلیّة التکلیف أو لا یجوز؟‏

فنقول :‏ أمّا الأوّل فهو لا یوافق عنوان البحث؛ حیث اُخذ فی عنوانه علم الآمر‏‎ ‎‏بانتفاء الشرط، فإنّه علیه لا وجه للتقیید بالعلم کما لا یخفیٰ، وکذلک الثانی، وأنّه لابدّ‏‎ ‎‏من حذفه إلاّ أن یرجع إلیٰ الثالث.‏

‏وأمّا الثالث فهو ممکن، والبحث فیه معقول، ولذلک وقع البحث فیه بین‏‎ ‎‏الأشاعرة والمعتزلة.‏

‏وکذلک الرابع والخامس ؛ بأن یقال : هل یجوز إنشاء التکلیف مع العلم بعدم‏‎ ‎‏حصول شرط التکلیف أبداً، کعدم النسخ، کما یظهر من استدلال الأشاعرة لجواز ذلک‏‎ ‎‏بقضیة أمر‏‎[1]‎‏ إبراهیم ‏‏علیه السلام‏‏ بذبح ولده، فإنّه تعالیٰ أمره بذبح ابنه مع علمه تعالیٰ بعدم‏‎ ‎‏وجود شرط فعلیّة وجوب الذبح، وهو عدم النسخ.‏

وحینئذٍ فنقول :‏ إنّ هذا البحث من المعتزلة والأشاعرة من شُعب النزاع فی‏‎ ‎‏اتّحاد الطلب والإرادة، فذهبت الأشاعرة إلیٰ تغایرهما، وأنّ فی النفس ما یسمّونه‏‎ ‎‏کلاماً نفسیّاً، والطلب هو الإنشائی منه، وأنّه یمکن أن یطلب المولیٰ شیئاً وینشئه، لکن‏‎ ‎‏لم تتعلّق إرادته به؛ حیث إنّه لو تعلّقت إرادته به لزم المحال، وهو تخلُّف المراد عن‏‎ ‎‏الإرادة‏‎[2]‎‏، فذهبوا إلیٰ جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرطه‏‎[3]‎‏، وحیث إنّ الإمامیّة‏‎ ‎‏والمعتزلة ذهبوا إلیٰ اتّحادهما مصداقاً ـ وأنّه لا شیء فی النفس غیر الإرادة وما هو‏‎ ‎‏مبدأٌ للطلب فیما نحن فیه، وأنّ مبدأه ومنشأه هی الإرادة فقط ـ ذهبوا إلیٰ عدم جواز‏‎ ‎
‎[[page 156]]‎‏أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه؛ لعدم ما هو منشأ ومبدأ له فی النفس، فإنّ البعث‏‎ ‎‏الحقیقی إنّما هو للانبعاث، فمع العلم بعدم انبعاث المکلّف لعدم شرطه یقبح البعث، فلا‏‎ ‎‏یمکن صدوره من المولیٰ الحکیم‏‎[4]‎‏.‏

‏ولکنّه مبنیّ علی القول بانحلال التکالیف الکلّیة والعامّة المتوجّهة إلیٰ العموم‏‎ ‎‏إلیٰ تکالیف جزئیّة متوجّهة إلیٰ آحاد المکلّفین، لکن قد عرفت ما فیه.‏

توضیح ذلک :‏ أنّک قد عرفت أنّ البعث الحقیقیّ لا یمکن بالنسبة إلیٰ الشخص‏‎ ‎‏العاجز الغیر القادر، ولا یصحّ للشارع بعثه إلیٰ الغیر المقدور له، وکذا بالنسبة إلیٰ من‏‎ ‎‏یعلم أنّه لا ینبعث، وکذلک بالنسبة إلیٰ من یعلم الآمر بأنّه یأتی بالمأمور به وإن لم‏‎ ‎‏یأمره به فی التوصُّلیّات، وکذلک بالنسبة إلیٰ خصوص المکلّف الذی یکون المأمور به‏‎ ‎‏خارجاً عن مورد ابتلائه؛ کلّ ذلک لأجل أنّ غایة البعث والزجر الحقیقیّین هو انبعاث‏‎ ‎‏المکلّف إلیٰ المأمور به وانزجاره عن المنهی عنه، اللذان هما غایتان للبعث والزجر‏‎ ‎‏ومبدآن لهما، المنتفیان فی هذه الموارد، فیمتنع البعث والزجر إلیٰ أشخاص هؤلاء‏‎ ‎‏المکلّفین؛ لعدم المبدأ والمنشأ لهما، فلو انحلت الأوامر والنواهی الکلّیّة القانونیّة‏‎ ‎‏المتوجّهة إلیٰ عموم المکلّفین إلیٰ أوامر ونواهٍ جزئیّة متوجّهة إلیٰ آحاد المکلّفین‏‎ ‎‏وأشخاصهم، لزم الالتزام بعدم ثبوت الأحکام للعاجزین والجاهلین القاصرین،‏‎ ‎‏وکذلک العاصین والآتین بالمأمور به من دون بعث، وهو کما تریٰ لا یلتزم به أحد،‏‎ ‎‏فیکشف ذلک عن فساد دعویٰ الانحلال. مضافاً إلیٰ أنّه یؤدّی إلیٰ الاختلال فی الفقه،‏‎ ‎‏ویلزم الحکم بعدم نجاسة الخمر الخارج عن مورد الابتلاء، وأن لا تحرم الاُمّ والاُخت‏‎ ‎‏الخارجتان عن محلّ ابتلائه، وغیر ذلک من الأحکام التکلیفیّة والوضعیّة، خصوصاً‏‎ ‎‏علیٰ مذهب الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ الأحکام الوضعیّة منتزعة عن الأحکام التکلیفیّة‏‎[5]‎‏،‏‎ ‎
‎[[page 157]]‎‏وقد عرفت أنّ الإرادة متعلّقة بالجعل التشریعیّ والأحکام الکلّیّة، ولیست متوجّهة‏‎ ‎‏إلیٰ آحاد المکلّفین وأشخاصهم کلّ واحد علیٰ حدة، وأنّ جمیع المکلّفین بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏الأحکام سواء، غایة الأمر أنّ مثل العاجز والجاهل القاصر معذوران فی مخالفتها‏‎ ‎‏عقلاً، وأنّ ملاک قبح جعل الحکم القانونیّ هو عجز جمیع المکلّفین وعدم قدرتهم‏‎ ‎‏کلّهم، أو العلم بعدم انبعاث جمیعهم أو خروج المکلّف به عن مورد ابتلاء جمیعهم، فإنّ‏‎ ‎‏الجعل ـ حینئذٍ ـ لغوٌ ومستحیل، وحینئذٍ فلا وجه للاستدلال للقول بعدم الجواز فی‏‎ ‎‏المقام بعدم تحقُّق شرط فعلیّته بالنسبة إلیٰ بعض المکلّفین، کما لایخفیٰ.‏

‏مضافاً إلیٰ أنّه وقع فی الشریعة ممّا هو من هذا القبیل فإنّ نجاسة أهل الخلاف‏‎ ‎‏وکفرهم من الأحکام التی أنشأها الشارع، ولکن لم تبلغ حدّ الفعلیّة، مستودَعةً عند‏‎ ‎‏الأئمّة ‏‏علیهم السلام‏‏ وصاحب الأمر ـ عجّل الله فرجه ـ حتیٰ یصدر الأمر من الله تعالیٰ‏‎ ‎‏بإبلاغها.‏

‎ ‎

‎[[page 158]]‎

  • )) هدایة المسترشدین : 304، سطر 19 .
  • )) هدایة المسترشدین : 133، کفایة الاُصول : 86 ـ 87.
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 169 ـ 170، والقوانین 1 : 126 سطر 1، ومعالم الدین: 85 سطر 10.
  • )) اُنظر معالم الدین : 85، والفصول الغرویّة: 109، وکفایة الاُصول : 169 ـ 170.
  • )) الرسائل : 351 سطر 2 .

انتهای پیام /*