الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب

المبحث التاسع فی أدلّة وجوب المقدّمة

کد : 149335 | تاریخ : 09/02/1394

المبحث التاسع فی أدلّة وجوب المقدّمة

‏ ‏

إذا عرفت ذلک نقول:‏ یمکن تصویر النزاع فی هذه المسألة بصور:‏

إحداها :‏ أن یُعنون البحث هکذا : هل البعث إلیٰ ذی المقدّمة عین البعث إلیٰ‏‎ ‎‏المقدّمة أو لا؟‏

الثانیة :‏ هل یتولّد ویترشّح من وجوب ذی المقدّمة وجوب متعلّق بالمقدّمة؟‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ هل البعث إلیٰ ذی المقدّمة علّة لبعث آخر متعلّق بالمقدّمة‏‎ ‎‏أو لا؟‏


‎[[page 94]]‎الثالثة :‏ أن یقال: هل المقدّمة واجبة؛ بمعنیٰ أنّ المولیٰ لو التفت إلیها بعث إلیها؟‏

الرابعة :‏ أن یقال: إرادة ذی المقدّمة هل هی علّة لإرادة المقدّمة؛ بحیث تترشّح‏‎ ‎‏منها هذه بنحو لازم الماهیّة أو لا ؟‏

الخامسة :‏ أنّ المرید لذی المقدّمة هل هو مرید للمقدّمة أو لا ؟‏

‏هذه هی الوجوه المتصوّرة فی المقام لعنوان البحث .‏

فنقول :‏ الأقوال فی المسألة مختلفة، والعمدة هو القول بوجوبها مطلقاً‏‎[1]‎‏ فی قبال‏‎ ‎‏القول بعدم وجوبها کذلک‏‎[2]‎‏.‏

‏وأمّا التفصیل بین السبب وغیره‏‎[3]‎‏، أو الشرط وغیره‏‎[4]‎‏، فلیس بمهمّ، فلا بأس‏‎ ‎‏بالإشارة إلیٰ بعض الاستدلالات التی ذکروها لوجوب المقدّمة :‏

‏فاستدلّ فی «الکفایة» : بأنّ الوجدان أقویٰ شاهد علی أنّ الإنسان لو أراد‏‎ ‎‏شیئاً له مقدّمات أراد تلک المقدّمات ـ أیضاً ـ بحیث لو التفت إلیها ربما یجعلها فی قالب‏‎ ‎‏الطلب، ویقول مولویّاً : «ادخلِ السوقَ واشترِ اللحم».. إلی أن قال :‏

‏ویُؤیِّد الوجدانَ ـ بل ویکون من أوضح البرهان ـ وجودُ الأوامر الغیریّة فی‏‎ ‎‏الشرعیّات والعرفیّات؛ لوضوح أنّه لا یکاد یتعلّق بمقدّمةٍ أمرٌ غیریّ إلاّ أن یکون‏‎ ‎‏فیها مناطه وملاکه، وإذا کان فیها کان فی مثلها‏‎[5]‎‏.‏

وقال المحقّق العراقی ما حاصله :‏ إنّ الإرادة التشریعیّة علیٰ وِزان الإرادة‏‎ ‎‏التکوینیّة، ففی الإرادة التکوینیّة والفاعلیّة من یرید شیئاً یرید ما یتوقّف حصول ذلک‏
‎[[page 95]]‎‏الشیء علیه أیضاً، فالإرادة التشریعیّة ـ أیضاً ـ کذلک، ولا یمکن إرادة ذی المقدّمة‏‎ ‎‏بدون إرادة المقدّمات فی الإرادة المباشریّة التکوینیّة، فالإرادة التشریعیّة کذلک، فثبت‏‎ ‎‏أنّ إرادة ذی المقدّمة مستلزمة لإرادة المقدّمة‏‎[6]‎‏.‏

أقول :‏ أمّا الإحالة علیٰ الوجدان فهو مجرّد دعویٰ لا شاهد علیها، فیمکن أن‏‎ ‎‏یدّعی آخر حکم الوجدان علیٰ خلافه.‏

‏وأمّا الاستشهاد بوقوع ذلک فی الشرعیّات والعرفیّات مولویّاً، فهو ممنوع.‏

‏وأمّا ما یتراءیٰ فی بعض الموارد من وقوع البعث إلیٰ المقدّمات فی الشریعة‏‎ ‎‏المقدّسة أو فی العرفیّات، فهو أمر إرشادی، أو لأجل مصلحة اُخریٰ، أو کنایة أو‏‎ ‎‏تأکید للبعث إلیٰ ذی المقدّمة، وإلاّ فمن البدیهیّات أنّه کثیراً ما یبعث المولیٰ عدبه إلیٰ‏‎ ‎‏ذی المقدّمة مع الغفلة عن مقدّماته، فضلاً عن البعث إلیها، فإن دعویٰ أنّ البعث إلیٰ‏‎ ‎‏ذی المقدّمة هی عین البعث إلیٰ المقدّمة، غیر معقولة؛ فإنّ الأمر بذی المقدّمة لا یدلّ‏‎ ‎‏علیٰ ذلک لا بمادّته ولا بهیئته.‏

‏وکذلک لا شاهد لدعویٰ الوجوب التقدیری؛ بمعنیٰ أنّه لو التفت إلیها لبعث‏‎ ‎‏نحوها، وکذا لا معنیٰ لتولّد إرادة من إرادة اُخریٰ وترشّحها منها.‏

‏وأمّا دعویٰ أنّ الإرادة التشریعیّة علیٰ وِزان الإرادة التکوینیّة ـ إلی آخر ما‏‎ ‎‏ذکره المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ـ فهی ـ أیضاً ـ مجرّد دعویٰ لا شاهد علیها ولا برهان، بل‏‎ ‎‏البرهان علیٰ خلافها؛ لأنّک بعدما عرفت أنّه لا معنیٰ لتولّد إرادة عن اُخریٰ تعرف أنّ‏‎ ‎‏القیاس باطل؛ لأنّ العقل یحکم بأنّ من یرید شیئاً یرید مقدّماته بإرادة مستقلّة؛ لأنّ‏‎ ‎‏لکلّ واحد من الإرادتین مبادی علیٰ حدة من التصوّر والتصدیق بالفائدة بلا فرق‏‎ ‎‏بینهما أصلاً، وأمّا المولیٰ فیرید البعث إلیٰ ذی المقدّمة لوجود مبادیه فی نفسه، ولا یرید‏
‎[[page 96]]‎‏البعث إلیٰ المقدّمات لعدم وجود مبادیها فی نفسه، بل هی موجودة فی نفس العبد،‏‎ ‎‏ومعه لا فائدة للبعث نحو المقدّمة.‏

واستدلّ أبو الحسین البصری لوجوب المقدّمة :‏ بأنّها لو لم تجب لجاز ترکها،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فإن بقی الواجب علیٰ وجوبه یلزم التکلیف بما لا یطاق، وإلاّ خرج الواجب‏‎ ‎‏عن کونه واجباً‏‎[7]‎‏.‏

واُرود علیه :

‏أوّلاً :‏‏ بالنقض بالمتلازمین فی الوجود اللذینِ فی أحدهما ملاک الوجوب دون‏‎ ‎‏الآخر، فالأوّل واجب، فنقول :‏

‏لایخلو إمّا أن یجب الآخر ـ أیضاً ـ أو لا، فعلیٰ الأوّل یلزم وجوب الشیء بلا‏‎ ‎‏ملاک، وإلاّ لزم خروج الواجب عن کونه واجباً؛ لأنّ المفروض أنّهما متلازمان فی‏‎ ‎‏الوجود لا یمکن انفکاکهما، فما هو الجواب عن هذا هو الجواب عمّا ذکره.‏

وثانیاً :‏ بالحلّ ـ کما فی «الکفایة»‏‎[8]‎‏ـ بعد إصلاح ظاهر الاستدلال: بإرادة عدم‏‎ ‎‏المنع الشرعی من جواز الترک، وإلاّ فالشرطیّة الاُولیٰ واضحة الفساد، وبإرادة الترک‏‎ ‎‏من الظرف ـ وهو قوله : «وحینئذٍ» ـ وإلاّ فالشرطیّة الثانیة واضحة الفساد؛ بأنّ‏‎ ‎‏الترک بمجرّد عدم المنع شرعاً لا یوجب صدق الشرطیّة الثانیة حینئذٍ، ولا یلزم منه‏‎ ‎‏أحد المحذورین، فإنّه وإن لم یبقَ وجوب معه، إلاّ أنّه بالعصیان المستتبع للعقاب؛ لتمکّنه‏‎ ‎‏من الإطاعة بالإتیان به مع مقدّماته، وقد اختار ترکه بترک مقدّماته بسوء اختیاره،‏‎ ‎‏مع حکم العقل بلزوم الإتیان بالمقدّمات لیتمکّن من ذی المقدّمة؛ إرشاداً إلیٰ ما فی‏
‎[[page 97]]‎‏ترکها ـ الموجب لترک ذی المقدّمة ـ من العصیان والعقاب‏‎[9]‎‏.‏

فتلخّص :‏ أنّه لا دلیل علیٰ الملازمة مطلقاً یعتدّ به.‏

وأمّا التفصیل‏ بین السبب وغیره‏‎[10]‎‏ فلا کلام فیه یعتمد علیه.‏

وأمّا التفصیل‏ بین الشرط العقلیّ والعادیّ وبین الشرعیّ بثبوت الملازمة فی‏‎ ‎‏الثانی دون الأوّل، فلأجل أنّ العقل والعادة یقضیان بوجوب الأوّلین، فلا احتیاج فیهما‏‎ ‎‏إلیٰ الوجوب الشرعیّ، بخلاف الشرط الشرعیّ، فإنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان‏‎ ‎‏شرطاً؛ حیث إنّه لیس ممّا لابدّ منه عقلاً أو عادةً‏‎[11]‎‏.‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّه إن اُرید أنّ شرطیّة الثالث تتوقّف علیٰ تعلّق الأمر به فی مقام‏‎ ‎‏الثبوت ونفس الأمر، ففساده واضح فإنّ الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعیّتین،‏‎ ‎‏ولا دخل للأمر فیها، بل تعلّق الأمر بالشرط موقوف علیٰ شرطیّته واقعاً، فلو توقّفت‏‎ ‎‏شرطیّته علیٰ تعلّق الأمر به لزم الدور.‏

‏وإن اُرید أنّ الاحتیاج فی الشرط الشرعیّ إلیٰ الأمر، إنّما هو لأجل کشفه عن‏‎ ‎‏شرطیّته الواقعیّة، فإن اُرید أنّ الکاشف عنها أمر مستقلّ فهو مسلّم، لکنّه خارج عن‏‎ ‎‏مسألة المقدّمة؛ لأنّ النزاع إنّما هو فی وجوبها الغیری، لا الوجوب المستقلّ.‏

‏وإن اُرید أنّ الکاشف أمر غیریّ وبعث مسبَّب عن البعث إلیٰ ذی المقدّمة، أو‏‎ ‎‏إرادة مترشّحة عن إرادة ذی المقدّمة، فلا یمکن کاشفیّة الأمر الغیریّ عن شرطیّة‏‎ ‎‏شیء واقعاً؛ وذلک لأنّ الملازمة علیٰ تقدیر ثبوتها فیما إذا علم بمقدّمیّة شیء بالوجدان،‏‎ ‎‏کنصب السلّم، فیقال: إنّه واجب؛ لأنّه مقدّمة للکون علیٰ السطح، وأمّا إذا لم یعلم‏
‎[[page 98]]‎‏بمقدّمیّة شیء فلا، کما إذا لم یعلم بشرطیّة الوضوء للصلاة، فلا یکشف عن شرطیّته‏‎ ‎‏الأمرُ الغیری المترشّح عن الأمر بالصلاة، وهو واضح، وإذا فُرض تعلُّق الأمر بالصلاة‏‎ ‎‏المتقیِّدة بالوضوء، یصیر الوضوء شرطاً عقلیّاً، یحکم العقل بلزوم الإتیان به.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 99]]‎

  • )) هدایة المسترشدین : 198 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) معالم الدین : 61 .
  • )) شرح مختصر الاُصول للعضدی: 91 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 156 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) 1 : 399 .
  • )) اُنظر المعتمد 1 : 95 .
  • )) کفایة الاُصول : 157 .
  • )) کفایة الاُصول : 157 ـ 158 .
  • )) اُنظر المعالم : 57 .
  • )) بدائع الأفکار (للمحقق الرشتی) : 355 سطر 15 .

انتهای پیام /*