ومنها: روایة أبی إبراهیم
أورده فی «الوسائل» فی الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة عن محمّد بن یعقوب عن أبی علی الأشعری عن محمّد بن عبد الجبّار و عن محمّد بن
[[page 447]]إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن صفوان عن عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبی إبراهیم علیه السلام قال: سألته عن الرجل یتزوّج المرأة فی عدّتها بجهالة، أهی ممّن لا تحلّ له أبداً؟
فقال علیه السلام: «لا، أمّا إذا کان بجهالة فلیتزوّجها بعد ما تنقضی عدّتها. وقد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک».
فقلت: بأیّ الجهالتین یعذر بجهالة أنّ ذلک محرّم علیه، أم بجهالة أنّها فی العدّة؟
فقال علیه السلام: «إحدی الجهالتین أهون من الاُخری، الجهالة بأنّ الله حرّم ذلک علیه، وذلک بأنّه لا یقدر علی الاحتیاط معها».
فقلت: وهو فی الاُخری معذور؟
قال علیه السلام: «إذا انقضت عدّتها فهو معذور فی أن یتزوّجها».
فقلت: فإن کان أحدهما متعمّداً والآخر بجهل؟
فقال علیه السلام: «الذی تعمّد لا یحلّ له أن یرجع إلی صاحبه أبداً».
استدلّ للبراءة بقوله علیه السلام: «وقد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک»؛ بدعوی أنّ إطلاقه یقتضی المعذوریة عند الجهالة مطلقاً ؛ سواء کانت فی الشبهات الحکمیة أو الموضوعیة.
ولکنّه کما تری، فإنّ المضارع المصدّر بلفظة «قد» یفید التقلیل، فلا إطلاق
[[page 448]]فیه. وغایة ما تدلّ علیه أنّه فی بعض الموارد یکون الناس أعذر بما هو أعظم من ذلک، فما ظنّک به؟
ولکن لو اُغمض عن الإشکال الذی یتلی علیک فیمکن الاستدلال بفقرتین اُخریتین من الحدیث للبراءة.
إحداهما: قول الراوی: «بأیّ الجهالتین أعذر» علی نسخة «التهذیب».
والثانیة: قوله علیه السلام: «إحدی الجهالتین أهون من الاُخری».
بتقریب: أنّ الأعذریة والأهونیة لا تناسب الأحکام الوضعیة؛ فإنّ أمرها تدور بین النفی والإثبات؛ لأنّ النکاح فی العدّة إمّا یقع صحیحاً أو باطلاً.
وبعبارة اُخری: کون الجهل عذراً وموجباً لعدم التحریم الأبدی لا یکون له مراتب، وأمّا الأحکام التکلیفیة فیتفاوت الأمر فیها بلحاظ العقوبات والمثوبات المترتّبة علیها، فمن شدّة العقوبة وخفّتها فی مورد بالنسبة إلی شخص دون شخص مع تساویهما فی ارتکاب الفعل أو ترکه، یستکشف وجود المراتب هناک. ألاتری أنّ الجاهل الملتفت وإن کان معذوراً فی ارتکاب المحرّم الواقعی بحکم أصالة البراءة عند العرف والعقلاء بل الشرع، إلاّ أنّ الغافل المرتکب له أعذر، بل ربّما یرون الجاهل القاصر معذوراً فی ارتکابه، بخلاف الجاهل الملتفت المقصّر.
وبالجملة: الأعذریة والأهونیة لا تناسب مورد السؤال؛ وهو صحّة النکاح فی العدّة وعدمها، فلا یحمل علی خصوص الأحکام الوضعیة، بل علی الأعمّ منها و من الأحکام التکلیفیة، فیکون الحدیث دالاً علی کون الجاهل معذوراً فی
[[page 449]]ارتکاب المحرّمات مطلقاً؛ سواء تعلّق جهله بالموضوعات أو بالأحکام، وإن کان بالنسبة إلی الأحکام أعذر وأهون منه بالنسبة إلی الموضوعات.
[[page 450]]