المقصد السادس فی الأمارات المعتبرة عقلاً أو شرعاً

الاستدلال ببناء العقلاء علی العمل بخبر الواحد

کد : 149459 | تاریخ : 11/02/1394

الاستدلال ببناء العقلاء علی العمل بخبر الواحد

‏یمکن دعوی: أنّ بناء العقلاء هو العمدة فی المقام، بل هو المدرک الوحید فی ‏‎ ‎‏الباب، وغیره إرشاد إلیه، وقد أشرنا غیر مرّة إلی أنّ نظام الاجتماع البشری، ‏‎ ‎‏قائم بساقیه علی العمل بخبر الواحد، ولم یکن العمل به مخصوصاً بزمان وعصر، ‏‎ ‎‏بل منذ تکوّن التمدّن البشری واتّخاذه لنفسه مسلکاً اجتماعیاً، لم یکن له مَخلص ‏‎ ‎‏ومفرّ من العمل بخبر الواحد، فلو لا العمل بخبر الواحد لما کان للناس سوق، ولا ‏‎ ‎‏حیاة اجتماعیة.‏

‏بل یقرب أن تکون الإجماعات وسیرة المتشرّعة، إرشاداً إلی بناء العقلاء. بل ‏‎ ‎‏یستفاد من آیة النبأ‏‎[1]‎‏ أنّهم کانوا یعملون بخبر الواحد قبل نزول الآیة الشریفة؛ ‏‎ ‎‏وأنّ الآیة لم تنزل فی حجّیة خبر العادل، بل للإرشاد إلی فسق الولید بنحو بلیغ ‏‎ ‎‏مخصوص بالقرآن، کما أشرنا، فلاحظ.‏

ولا یکاد ‏یصلح أن تکون الآیات الناهیة عن العمل بالظنّ أو الناهیة عن ‏‎ ‎‏العمل بغیر العلم، رادعةً عن بناء العقلاء؛ لما أشرنا:‏

فأوّلاً:‏ لأنّ دلالتها علی ذلک بالعموم أو الإطلاق، وهو ظنّی، فیکون من ‏‎ ‎‏العمل بالظنّ، فیلزم من جواز التمسّک بها، عدم جواز التمسّک، کما لا یخفی.‏

وثانیاً:‏ أنّهم لا یکادون یرتدعون عمّا جُبّلوا علیه فی نظامهم الفردی ‏‎ ‎‏والاجتماعی، بمجرّد ورود آیة، أو آیتین، ولذا تراهم ـ بعد ورود الآیات الناهیة ‏‎ ‎‏ـ یعملون بخبر الواحد، والظواهر، وأصالة الصحّة، وغیر ذلک، کما کانوا عاملین ‏‎ ‎
‎[[page 313]]‎‏بها قبل نزول الآیات، فکأنّهم لا یرون العمل بها مخالفاً للآیات الناهیة، فالمراد ‏‎ ‎‏بالعلم فیها عدم الحجّة، لا العلم الوجدانی، وواضح أنّ العمل بخبر الواحد ‏‎ ‎‏ونظرائه عمل بالحجّة.‏

ثمّ إنّه ‏لم یکن عملهم بمطلق خبر الواحد؛ وعن أیّ شخص صدر، ومورد ‏‎ ‎‏نزول آیة النبأ شاهد صدق علی ذلک، بل عملهم بخبر الذی یظنّ بصدوره، نعم ‏‎ ‎‏یکتفون بوثاقة المخبر من دون احتیاج إلی الوثاقة بالصدور.‏

‏وإن کنت مع ذلک فی شکّ، فلاحظ محیط الموالی والعبید؛ فتراهم لا ‏‎ ‎‏یتّکلون علی ما وصل من الموالی إلی عبیدهم ولا من العبید إلی موالیهم بمجرّد ‏‎ ‎‏إخبار مخبر مطلقاً، بل بخبر یظنّ بصدقه ـ بل بصدوره ـ ظنّاً نوعیاً؛ وهو الخبر ‏‎ ‎‏الموثوق الصدور، لا مطلق الخبر؛ وإن اکتفوا بوثاقة المخبر من دون احتیاج إلی ‏‎ ‎‏الوثاقة بالصدور، فثبتت حجّیة خبر الواحد الموثوق الصدور ولو من ناحیة وثاقة ‏‎ ‎‏المخبر، وأنّ حجّیته ضروریة لا یکاد یشوبها الشکّ والریب.‏

‏وخبر الواحد کافٍ ووافٍ فی الفقه فی جمیع أبوابه؛ بحیث لو عمل به واُجری ‏‎ ‎‏الأصل فیما عداه، لما کان خروجاً عن طور الإسلام وأحکامه، فلا یلزم من ذلک ‏‎ ‎‏انسداد فی الأحکام.‏

‎ ‎

‎[[page 314]]‎

  • . الحجرات (49): 6 .

انتهای پیام /*