مقتضی الروایات الواردة فی جانب الزیادة
وأمّا الروایات الواردة فی المقام فمنها : روایة أبی بصیر عن الصادق علیه السلام أنّه قال: (من زاد فی صلاته فعلیه الإعادة).
وروی زرارة وبکیر إبنا أعین عن أبی جعفر علیه السلام قال: (إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتدّ بها، واستقبل صلاته استقبالاً إذا کان قد استیقن یقیناً)، ورواها الکلینی عن زرارة فی أبواب الرکوع بزیادة لفظة «رکعة»، وغیرها من الأخبار مثل قوله علیه السلام : (لاتقرأ فی المکتوبة بشیء من العزائم، فإنّ السجود زیادة فی المکتوبة).
والکلام هنا یقع فی مقامین :
الأوّل : فی بیان المراد من الزیادة المبطلة، وأنّها بِمَ تتحقّق.
الثانی : ملاحظة النسبة بین هذه الروایات وبین روایة (لاتُعاد الصلاة إلاّ من خمسة).
[[page 523]]أمّا المقام الأوّل : فلا إشکال فی أنّه لاتتحقّق الزیادة فیما لو زاد أحد أجزاء الصلاة لا بعنوان الجزئیّة لها؛ وإن کان المزید من سنخ أجزاء المزید علیه، وحینئذٍ فهل یکفی فی صدقها وتحقّقها ما إذا قصد عنوان الجزئیّة للصلاة، والمزید من سنخ أجزائها کالقراءة ونحوها، أو لا یکفی ذلک، بل لابدّ مضافاً إلی ذلک من صدق الصلاة علی الزائد کالرکعة والرکعتین؟
فذهب شیخنا الاُستاذ الحائری قدس سره إلی الأخیر، وأنّ المقدّر فی قوله: (من زاد فی صلاته) لفظ الصلاة، نظیر ما لو قیل: «زاد الله فی عمرک»؛ حیث إنّه یصدق العمر علی المزید.
أقول : ما ذکره إنّما یصحّ فی البسائط، کالقیام والقعود والزمان ونحوه، فإنّه لابدّ فی صدق الزیادة من صدق عنوان المزید علیه علی الزائد، ولیس کذلک فی المرکّبات کالصلاة، فإنّه لاریب فی صدق الزیادة فی الصلاة فیما لو أتی برکوع زائد بقصد الجزئیّة للصلاة، بل بعض المرکّبات لا یتوقّف صدق الزیادة فیها علی أن یکون الزائد من سنخ المزید علیه، کما لو زاد علی المعجون المرکّب من عدّة أجزاء شیئاً آخر من غیر سنخ أجزائها. نعم لابدّ فی صدق الزیادة فی الصلاة من سنخیّة المزید لأجزائها مع قصد عنوان الجزئیّة.
وعلی هذا فیشکل قوله علیه السلام : (لا تقرأ فی المکتوبة بشیء من العزائم، فإنّ السجود زیادة فی المکتوبة)، فإنّه لایقصد بهذا السجود عنوان الجزئیّة للصلاة، وقد عرفت توقّف صدق الزیادة علیه مع حکمه علیه السلام بأنّه زیادة فی المکتوبة.
وتفصّی شیخنا الحائری قدس سره عن هذا الإشکال : بأنّه یستفاد من قوله علیه السلام : (فإنّ السجود زیادة فی المکتوبة) أنّ الصلاة مقیّدة بعدمه بنحو الإطلاق، کما قیّدت
[[page 524]]بعدم القهقهة ـ مثلاً ـ ولهذا تصدق الزیادة علیه ولو مع عدم قصد الجزئیّة.
وفیه : أنّ مجرّد اعتبار عدم شیء فی الصلاة لایوجب صدق الزیادة علیه، کالقهقهة ونحوها من القواطع إذا صدرت من المصلّی لا بعنوان الجزئیّة للصلاة، بل الصلاة مقیّدة بعدمها ویصدق علیها عنوان القاطع.
وبالجملة : علی فرض تقیید الصلاة بعدم السجدة فهی مبطلة للصلاة لذلک، لا لصدق الزیادة علیها، والإشکال إنّما هو فی حکمه علیه السلام علیها بأنّها زیادة.
فنقول : علی فرض صحّة هذه الروایة سنداً والعمل بها لابدّ من الاقتصار علی موردها، ولا یتعدّی عنه ـ أی إلی غیر السجدة ـ لما عرفت من اعتبار قصد الجزئیّة للصلاة فی صدق الزیادة.
فتلخّص : أنّ قوله : (من زاد ...) إلی آخره، إنّما یشمل ما إذا کان المزیدُ من سنخ أجزاء المزید علیه والإتیانُ به بقصد الجزئیّة للصلاة.
وفی قبال هذه الروایة روایة زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال: (لاتُعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والرکوع، والسجود. ثمّ قال علیه السلام: القراءة سنّة، والتشهّد سنّة، ولا تنقض السنّةُ الفریضة).
فقد یقال : إنّ هذه الروایة لا تشمل ـ بل لا یعقل شمولها ـ لصورة العمد فی جانب الزیادة والنقیصة؛ لمنافاتها لجعل الجزئیّة والشرطیّة ـ کما هو المعروف ـ لکن لیس کذلک، فإنّه یمکن أن تکون هناک مصلحة فی الواقع ملزمة فی الصلاة التامّة الأجزاء والشرائط، ومصلحة اُخری ناقصة قائمة بالصلاة بدون السورة؛ بحیث لو أتی بالصلاة لا مع السورة یستوفی تلک المصلحة الناقصة، ولایمکن معه استیفاء
[[page 525]]المصلحة التامّة، ولایُنافی ذلک ترتُّب العقاب علی ترک السورة عمداً، فلا إشکال عقلیّ فی شمول حدیث (لاتُعاد) لصورة العمد.
ولکنّ الإنصاف أنّه منصرفٌ عن صورة العمد.
وهل یشمل صورة الجهل بالموضوع المرکّب أو البسیط والجهل بالحکم ونسیانه، أو لا؟
فیه خلاف : فذهب شیخنا الاُستاذ ـ فی أبواب الخلل ـ إلی انصرافه عن تلک الصور واختصاصها بالخلل الحاصل بالسهو والنسیان للموضوع، ومهّد لبیانه مقدّمتین:
الاُولیٰ : أنّ ظاهر (لاتُعاد) هی الصحّة الواقعیّة، وأنّها مصداق واقعیّ للصلاة المأمور بها، ویؤیّده الأخبار الواردة فی نسیان سورة الفاتحة حتّی رکع، وحکمه علیه السلامفیها بتمامیّة الصلاة، وقد قرّرنا إمکان تخصیص الساهی بتکلیفٍ خاصّ بما لامزید علیه.
الثانیة : أنّ الظاهر من الصحیحة : أنّ الحکم إنّما هو بعد الفراغ من الصلاة، وإن أبیْت ذلک فلابدّ من تخصیصها بما إذا لم یمکن تدارک المتروک، کمن نسی القراءة، ولم یذکر حتّی رکع، فلایصحّ الاستناد إلیها؛ لجواز الدخول فی الصلاة فیما لو شکّ فی جزئیّة شیء للصلاة، بل إنّما تدل علی صحّة الصلاة فیما إذا دخل فی الصلاة، وقصد امتثال الأمر الواقعی باعتقاده، ثمّ تبیّن له الخلل بشیء من الأجزاء والشرائط، فالعامد الملتفت خارج عن مصبّ الروایة، کالشاکّ فی جزء من الأجزاء بأنحائه، فإنّ مرجع ذلک إلی قواعد اُخر لابدّ من مراعاتها حتّی یجوز الدخول فی الصلاة، فلا یجوز للشاکّ فی وجوب الفاتحة ـ مثلاً ـ الدخول فی الصلاة تارکاً لها
[[page 526]]بقصد الامتثال مستدلاًّ بقوله علیه السلام: (لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة...).
نعم لو اعتقد عدم وجوب شیء أو شرطیّته، أو کان ناسیاً لحکم شیء من الجزئیّة والشرطیّة، یمکن توهّم شمول الصحیحة له، وعدم وجوب الإعادة علیه.
لکن یدفعه ما ذکرناه فی المقدّمة الاُولی : من أنّ ظاهر الصحیحة الحکم بصحّة العمل واقعاً، ومقتضاه عدم جزئیّة المتروک أو شرطیّته، ولایعقل تقیّد الجزئیّة والشرطیّة بالعلم بهما؛ بحیث لو علم بعدمهما بالجهل المرکّب خرج عن الجزئیّة والشرطیّة.
نعم یمکن ذلک علی نحو التصویب الذی ادّعی الإجماع علی خلافه؛ بمعنی أنّ المجعول الواقعیّ هو المرکّب التامّ الثابت لکلّ واحد من المکلّفین، ولکن نسیان الحکم أو الغفلة عنه أو القطع بعدمه بالجهل المرکّب، یصیر سبباً لحدوث مصلحة فی الناقص علی حدّ المصلحة فی التامّ. انتهی.
أقول : لیس معنی (لاتعاد) أنّ الصلاة الناقصة تامّة، بل معناها ومفادها؛ بملاحظة قوله علیه السلام فی ذیلها: (القراءة سُنّة، والتشهّد سُنّة، ولا تنقض السُّنّةُ الفریضةَ): أنّ هذا النقصان لایوجب فساد الصلاة، ولا خللاً فیها یوجب الإعادة، لا أنّ صلاته تامّة لأجل عدم جزئیّة الجزء المتروک أو شرطیّته حال النسیان أو الجهل، فعدم وجوب الإعادة إنّما هو لأجل استیفائه المصلحة الناقصة، التی لایمکن معه تدارک المصلحة التامّة، وحینئذٍ فلا إشکال عقلیّ فی المقام، والشاکّ الملتفت إلی شکّه فی الابتداء یمکن له الشروع فی الصلاة؛ التفاتاً إلی حدیث الرفع أو الاستصحاب ونحوهما من القواعد والاُصول، فلو انکشف الخلاف بعد الصلاة أو بعد التجاوز عن المحلّ یشمله حدیث (لاتعاد)، ولیس المراد شروع الجاهل البسیط فی الصلاة اعتماداً علی حدیث (لاتعاد) ؛ لیرد علیه ما ذکره.
[[page 527]]فتلخّص : أنّه لا إشکال عقلیّ فی شمول الحدیث لجمیع الأقسام المذکورة.
وإن أراد أنّه منصرف عن صورة الجهل بالحکم أو الموضوع ونسیان الحکم عند العرف والعقلاء، فهو ممنوع.
نعم هو منصرف عن صورة العمد، مع أنّ ما ذکره وادّعاه لیس انصرافاً، بل هو تقیید للحدیث، وهو یحتاج إلی دلیل عقلیّ أو نقلیّ، وقد عرفت عدم الدلیل العقلیّ، وکذلک النقلیّ؛ لأنّ الإجماع الذی نُقل فی المقام ـ علی عدم شمول الحدیث للجاهل ـ لم نتحقّقه، ولم تثبت حجّیّته، ومع عدم الدلیل لا وجه لتقیید إطلاق الحدیث.
ثمّ إنّه هل یشمل الحدیث الزیادة فی الصلاة عن سهو، أو أنّه یختصّ بالنقیصة فقط؟
وجهان ذکرهما الاُستاذ الحائریّ قدس سره وقال:
إنّ المنشأ للوجه الأوّل : أنّ الزیادة مرجعها إلی النقیصة؛ لأنّ عدمها معتبر فی الصلاة، وإلاّ لایُعقل إیجابها للبطلان، فعلی هذا یقتضی العموم عدم الإعادة لکلّ نقصٍ حصل فی الصلاة؛ سواء کان بترک ما اعتبر وجوده، أم بإیجاد ما اعتبر ترکه.
ومنشأ الوجه الثانی : انصرافه إلیٰ ترک الوجودیّات، وأمّا العدمیّات المعتبرة فی الصلاة فلایشملها، وهو الأقوی، وحینئذٍ فإن ثبت عمومٌ یدلّ علی إبطال الزیادة مطلقاً لم یکن الحدیث حاکماً علیه. انتهی.
وفیه : أنّ المتبادر من الروایة أنّ کلّ نقص حاصل من قِبَل هذه الخمسة فهو یوجب الإعادة؛ سواء کان بالزیادة أم النقیصة، وأنّ کلّ نقص حاصل بسبب غیرها من الأجزاء سهواً فهو لایوجب الإعادة؛ سواء کان بالزیادة أم بالنقیصة، وعدم تصوّر الزیادة فی بعض هذه الخمسة فی الخارج، مثل الطهور والوقت والقبلة، لایوجب
[[page 528]]عدم شمولها لزیادة ما یتصوّر فیه الزیادة کالرکوع والسجود.
هذا فی المقام الأوّل.
[[page 529]]