حول الأقوال فی الأقلّ والأکثر بحسب الأجزاء
إذا عرفت ذلک نقول : أمّا القسم الأوّل؛ أی الشکّ فی الأقلّ والأکثر بحسب الأجزاء الخارجیة، کما لو تردّد الأمر فی أجزاء الصلاة بین التسعة والعشرة بزیادة الاستعاذة ـ مثلاً ـ ففی جریان البراءة العقلیّة والشرعیّة بالنسبة إلی الأکثر، أو عدم جریانهما، أو التفصیل بین البراءة العقلیّة، فلا تجری، وبین الشرعیّة، فتجری، أقوالٌ.
والحقّ : هو القول الأوّل .
وتوضیحه ـ علی وجهٍ تندفع الإشکالات الواردة علیه ـ یحتاج إلی بیان اُمور:
الأمر الأوّل : أنّ المرکّبات الاعتباریّة ـ مثل الصلاة المرکّبة من أجزاء ـ نظیر المرکّبات الحقیقیّة فی أنّه کما أنّ الأجزاء فی المرکّبات الحقیقیّة ـ کالعقیق ونحوه من المعادن ـ لیست باقیة علی فعلیّتها الأوّلیّة، بل طرأت علیها فعلیّة اُخری غیر الصورة الفعلیّة للأجزاء، کذلک مثل الصلاة المرکّبة من الرکوع والسجود وغیرهما فی عالم الاعتبار واللحاظ.
الأمر الثانی : أنّ المتبادر إلی أذهان المکلّفین من مثل الصلاة فی مقام الامتثال، هو نفس الماهیّة المأمور بها أوّلاً، ثمّ ینتقل إلی لحاظ أجزائها کلّ واحدٍ منها، بخلاف ذلک فی نظر الآمر ولحاظه من الموالی العرفیّة، فإنّه یلاحظ کلّ واحدٍ من الأجزاء أوّلاً، ثمّ یلاحظ أنّ لمجموعها مصلحة ـ مثلاً ـ فیأمر بالمرکّب منها لقیام الغرض به.
الأمر الثالث : أنّ الأمر المتعلّق بنفس المرکّب واحد لا یدعو إلاّ إلی نفس هذا المرکّب، فهنا أمرٌ واحد متعلّق بأمرٍ وحدانیّ فی اللحاظ، فیبعث المکلّف ویدعوه إلیه، لا أوامر متعدّدة وأبعاث ودعوات متعدّدة حسب تعدّد الأجزاء؛ تعلّق
[[page 460]]کلّ واحدٍ منها بجزء؛ بأن یتعلّق بکلّ جزء أمرٌ، لکن حیث إنّ هذا المرکّب منحلٌّ إلی الأجزاء، بل هو عین الأجزاء الکثیرة، لکن فی لباس الوحدة ولحاظها، کما أنّ الأجزاء الکثیرة عین ذلک الواحد بحسب اللحاظ فی لباس الکثرة، فالأمر والبعث إلی هذا المرکّب أمرٌ وبعثٌ إلی هذه الأجزاء، والدعوة إلیه عین الدعوة إلی الأجزاء، فداعویّة الأمر إلی المرکّب هی داعویّته إلی الأجزاء بعینها، لا أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب ینبسط علی أجزائه؛ بأن یتعلّق بکلّ جزء منه جزء من الأمر؛ سواء قلنا: إنّ الأجزاء مقدّمات داخلیّة؛ یعنی کلّ واحد منها مقدّمة، وتعلّق الأمر الغیری بها، کما ذکره المحقّق العراقی فی المقدّمات الخارجیّة أم لا، فإنّ وجوب الإتیان بالأجزاء علی فرض مقدّمیّتها الداخلیّة إنّما هو بحکم العقل؛ لیتحقّق امتثال أمر المرکّب، لا أنّه یترشّح من الأمر بالمرکّب أمرٌ بالمقدّمات.
وممّا ذکرنا یظهر : أنّه إنّما یدعو إلی الأجزاء التی هو مشتمل علیها، لا إلی أمرٍ خارج عنه.
الأمر الرابع : أنّ ما ذکرنا : من أنّ دعوة الأمر إلی المرکّب دعوة إلی الأجزاء، إنّما هو فیما إذا علم جزئیّته، وأمّا لو شکّ فی جزئیّة شیء للمأمور به فلا یدعو الأمر إلیه؛ لعدم قیام الحجّة علی وجوب الإتیان به، فالعقاب علیه عقاب بلا بیان، بل الأمر کذلک وإن قلنا : بأنّ وجوب الأجزاء عقلیّ من باب المقدّمیّة.
وبالجملة : قد عرفت أنّ الصلاة المأمور بها وإن لاحظها الآمر بعنوان وحدانیّ حین الأمر بها، لکن عرفت أیضاً فی الأمر الثالث أنّها عین الأجزاء والکثرات فی لحاظ الوحدة، فالأمر المتعلّق بها متعلّق بالأجزاء، فمرجع الشکّ فی جزئیّة شیء للمأمور به إلی الشکّ فی اعتبار المولی هذا الجزء فی المرکّب مع سائر الأجزاء التی تنحلّ الصلاة إلیها، ولم تقم حجّة علی وجوبه، فأصالة البراءة فیه
[[page 461]]محکّمة، والفرض صدق الصلاة علی المأتیّ به من سائر الأجزاء المعلومة؛ بناءً علی القول بالأعمّ، کما هو مبنی البحث فی الأقلّ والأکثر.
[[page 462]]