الفصل السادس فی مراتب الحکم
ذکر المحقّق فی «الکفایة» ـ أیضاً ـ أنّ للتکلیف مراتب أربعاً:
الاُولیٰ : مرتبة الاقتضاء؛ وهی مرتبة لحاظ المصالح والمفاسد.
الثانیة : مرتبة الإنشاء؛ أی مرتبة الأمر والنهی.
الثالثة : مرتبة الفعلیّة؛ وهی مرتبة إعلام المکلَّفین وإبلاغهم بالتکالیف المجعولة.
الرابعة : مرتبة التنجّز، وتتحقّق بعد علم المکلَّف بها ومعرفته لها.
لکن لا یخفیٰ ما فیه، فإنّ مرتبة الاقتضاء لیست من مراتب الحکم؛ لأنّه لیس فی هذه المرتبة حکم أصلاً، ولعلّ منشأ عدّ هذه من مراتب الحکم هو ما ذکره الفلاسفة من وجود المعلول فی مرتبة العلّة، ولذا قال أرسطو: إنّ العقل نفسٌ ساکن، والنفس عقل متحرّک، وإنّ العلّة حدّ تامّ للمعلول، والمعلول حدّ ناقص للعلّة، فالحکم المعلول للمصالح والمفاسد متحقّق فی مرتبتهما، ولکنّه لا یتمّ فیما نحن فیه، فإنّ المعلول إنّما یوجد فی مرتبة العلّة بنحو ما ذُکر فی العلّة الفاعلیّة، لا العلّة الغائیّة، والمصالح والمفاسد لیست علّة فاعلیّة یصدر عنها الحکم، بل الحکم إنّما یصدر عن الحاکم، والمصالح والمفاسد غایة لذلک.
[[page 19]]وأمّا مرتبة التنجّز فهی ـ أیضاً ـ لیست من مراتب الحکم، فإنّ علم المکلّف وجهله لا یوجبان تغیُّراً فی الحکم ومزید حالةٍ فیه؛ لتکون مرتبة اُخریٰ غیر المرتبة التی قبلها، بل العلم والجهل ممّا لهما دَخْل فی معذوریّة المکلّف وعدمها عند المخالفة، فلیس للحکم إلاّ مرتبتان:
مرتبة الإنشاء : مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و «أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ»، ونحوهما ممّا له مُقیِّدات ومُخصِّصات تُذکر تدریجاً، واستُعمل اللفظ فی جمیع العقود بالإرادة الاستعمالیّة، لکنّه غیر مُراد بالإرادة الجدّیّة، ولیست هذه أحکاماً فعلیّة، وکما فی الأحکام الصادرة من الشارع المقدّس، لکن لم یأمر بإبلاغها لمصالح فیه، کنجاسة أهل الخلاف، کما ذکره صاحب الحدائق، أو لمکانِ مفسدةٍ فی إبلاغها.
ومرتبة الفعلیّة : کوجوب الصلاة ونحوها.
[[page 20]]