المرحلة الثالثة فی الاشتغال

الإشکال السادس

کد : 149845 | تاریخ : 16/02/1394

الإشکال السادس: 

‏ما أورده شیخنا العلامة الأنصاری قدس سره بصورة «إن قلت» وأجاب عنه بقوله ‏‎ ‎‏«قلت» وهو أنّ المشهور بین العدلیة أنّ الواجبات الشرعیة إنّما وجبت لکونها ‏‎ ‎‏ألطافاً فی الواجبات العقلیة، فاللطف إمّا هو المأمور به حقیقة أو غرض للأمر، ‏‎ ‎‏فیجب تحصیل العلم بحصول اللطف ولا یکاد یحصل إلا بإتیان کلّ ما شکّ فی ‏‎ ‎‏مدخلیته‏‎[1]‎‏. ‏

‏یستفاد من کلامه قدس سره هذا تقریبان لا بأس بتوضیحهما: ‏

‏التقریب الأوّل: هو أنّ المشهور بین العدلیة أنّ الأوامر والنواهی تابعة لمصالح ‏‎ ‎‏ومفاسد فی المأمور بها والمنهیّ عنها وأنّ الواجبات الشرعیة ألطاف فی ‏‎ ‎‏الواجبات العقلیة، والأحکام الشرعیة وإن تعلّقت بعناوین خاصّة کالصلاة ‏‎ ‎‏والصوم والخمر والزنا إلا أنّ المأمور به والمنهیّ عنه حقیقة هو المصالح ‏‎ ‎‏والمفاسد والأمر بالصلاة والنهی عن الخمر مثلاً إرشاد إلی ما هو المطلوب ‏‎ ‎‏النفس الأمری. ‏

‏والسرّ فی تعلّق الأوامر أو النواهی بالعناوین دون المصالح أو المفاسد عدم ‏‎ ‎
‎[[page 302]]‎‏علم العباد بکیفیة تحصیلها والاجتناب عنها، ولو اطّلع العقل بتلک المصالح ‏‎ ‎‏والمفاسد لحکم بلزوم الإتیان بها أو الاجتناب عنها، فالمصالح والألطاف هی ‏‎ ‎‏المأمور بها بالأمر النفسی کما أنّ المفاسد هی المنهیّ عنها بالنهی النفسی ‏‎ ‎‏والعناوین التی تعلّق بها الأوامر والنواهی فی ظاهر الشرع محصّلات ـ بالکسر ـ ‏‎ ‎‏تلک الغایات وأوامرها ونواهیها إرشادیة مقدّمیة لتحصیلها، ومعلوم أنّه مع الشکّ ‏‎ ‎‏فی المحصّل ـ بالفتح ـ لا مناص من الاحتیاط. ‏

‏التقریب الثانی: هو أنّ الأوامر والنواهی المتعلّقة بالعناوین وإن کانت أوامر ‏‎ ‎‏ونواهی حقیقة وغیر إرشادیة إلا أنّ المصالح والمفاسد أغراض وغایات لتلک ‏‎ ‎‏الأوامر والنواهی ولا یکاد یحرز الغرض إلا بالإتیان بالأکثر. ‏

‏وبعبارة اُخری: إنّ المصالح والمفاسد والأغراض علل البعث أو الزجر نحو ‏‎ ‎‏العمل أو الزجر عنه. ‏

‏فکما أنّ وجود الأشیاء وبقائها إنّما هو بوجود عللها وبقائها، فکذلک نعدامها ‏‎ ‎‏وسقوطها بسقوط عللها وفنائها. ‏

‏فعلی هذا یتوقّف العلم بسقوط الأوامر أو النواهی علی العلم بسقوط ‏‎ ‎‏الأغراض وحصول الغایات الداعیة إلیها، فمع الإتیان بالأقلّ یشکّ فی إحراز ‏‎ ‎‏المصلحة، فیشکّ فی سقوط الأمر، وواضح أنّه مع العلم بالثبوت لابدّ من العلم ‏‎ ‎‏بالسقوط وهو لا یکاد یحصل إلا بالإتیان بالأکثر. ‏

‏والفرق بین التقریبین واضح؛ لأنّ المأمور به والمنهیّ عنه علی التقریب الأوّل ‏‎ ‎‏هو المصالح والمفاسد والعناوین محصّلات لها وأمّا علی التقریب الثانی وإن ‏‎ ‎‏تعلّقت حقیقة بالعناوین لکنّها لأجل أغراض ومقاصد، فما لم یحصل تلک ‏‎ ‎
‎[[page 303]]‎‏الأغراض لا تسقط الأوامر والنواهی. ‏

‏ولا یخفی أنّ ما ذکرنا هو الظاهر من الشیخ الأعظم قدس سره فما أفاده المحقّق ‏‎ ‎‏النائینی قدّس سرّه من أنّ مراد الشیخ قدس سره لیس مصلحة الحکم وملاکه، بل المراد منه التعبّد ‏‎ ‎‏بالأمر وقصد امتثاله‏‎[2]‎‏ لیس بشیء وإن أتعب نفسه الزکیّة فی ذلک وحصل فی ‏‎ ‎‏أطراف المسألة، فراجع. ‏

‏وکیف کان، فالجواب عن التقریب الأوّل أوّلاً: ‏

‏هو أنّ مسألة کون الأوامر والنواهی تابعة لمصالح أو مفاسد فی المأمور به ‏‎ ‎‏والمنهیّ عنها شعبة من المسألة الکلامیة المعروفة التی علیها العدلیة من أنّه تعالی ‏‎ ‎‏یفعل لغرض ویمتنع علیه تعالی الإرادة الجزافیة؛ للزوم العبث فی فعله والظلم ‏‎ ‎‏علی العباد فی تکلیفه فی مقابل الأشاعرة النافین للأغراض والغایات فی مطلق ‏‎ ‎‏أفعاله تعالی. ‏

‏فالأوامر والنواهی لکونها من الأفعال الاختیاریة لله تعالی لابدّ وأن یکون لها ‏‎ ‎‏أغراض وغایات وواضح أنّ دفع الإرادة الجزافیة والعبثیة کما یحصل باشتمال ‏‎ ‎‏نفس تلک العناوین علی مصالح ومفاسد قائمة بها متحصّلة بوجودها کذلک ‏‎ ‎‏یحصل بکون المصلحة فی نفس البعث والزجر. ‏

‏بل یمکن أن یقال: إنّ تلک العناوین مطلوبات بالذات من قبیل نفس ‏‎ ‎‏الأغراض ـ أی تکون الأحکام تابعة لمصالح فی نفسها کما هو الحال فی ‏‎ ‎‏الأحکام الوضعیة کالملکیة والزوجیة ونحوهما ـ أو تکون الأغراض اُموراً اُخر ‏‎ ‎‏غیر المصالح والمفاسد لا نعلمها. ‏


‎[[page 304]]‎‏وبالجملة: غایة ما تقتضیه الأدلّة المذکورة فی محلّه فی قبال الأشاعرة هی أنّ ‏‎ ‎‏أوامره تعالی ونواهیه لیست جزافیة بلاغرض وجهة ولکن لا یثبت ذلک الوجه ‏‎ ‎‏الأوّل من کون متعلّقاتها ذات مصالح ومفاسد، بل یمکن أن تکون فی نفس ‏‎ ‎‏الأمر أو النهی. ‏

‏وثانیاً: أنّ تعلّق الأوامر بتلک المصالح النفس الأمریة المستتبعة لتلک العناوین ‏‎ ‎‏ممّا یمتنع علیه تعالی للزوم اللغویة والعبث علیه تعالی؛ لأنّ الأمر بشیء والبعث ‏‎ ‎‏إلیه لإیجاد الداعی فی نفس المکلّف حتّی ینبعث ببرکة سائر المبادئ نحوه وهو ‏‎ ‎‏فرع وصول الأمر إلیه ولا یعقل أن تکون الأوامر النفس الأمریة غیر الواصلة إلی ‏‎ ‎‏المکلّفین متعلّقة بعناوین واقعیة مجهولة لدیهم وباعثة نحوها، فإنّ البعث ‏‎ ‎‏والتحریک فرع الوصول والاطّلاع، فعلیه فتعلّقها بها لا یکون إلا لغواً وعبثاً یمتنع ‏‎ ‎‏علیه تعالی، فتدبّر. ‏

‏وأمّا الجواب عن التقریب الثانی فیظهر ممّا ذکرناه فی دفع التقریب الأوّل ‏‎ ‎‏حاصله: أنّ ما قام به الدلیل الکلامی إنّما هو امتناع خلوّ فعله تعالی عن الغرض ‏‎ ‎‏وأمّا کون الغرض مغایراً لنفس العنوان الذی وقع تحت دائرة الطلب فلا، بل من ‏‎ ‎‏المحتمل أن یکون الغرض الذی دلّ الدلیل علی امتناع خلوّ فعله تعالی عنه هو ‏‎ ‎‏قائماً بنفس الأمر أو المأمور به بمعنی کونه محبوباً بالذات من غیر أن یکون ‏‎ ‎‏محصّلاً للغرض وخارجاً عنه نظیر الأحکام الوضعیة کالملکیة والزوجیة ‏‎ ‎‏ونحوهما ومع هذا الاحتمال ینفی الاشتغال ویکون من قبیل الأقلّ والأکثر ‏‎ ‎‏هذا أوّلاً. ‏


‎[[page 305]]‎‏وثانیاً: أنّه لم یدلّ دلیل علی تحصیل الأغراض الواقعیة للمولی التی لم تقم ‏‎ ‎‏علیها حجّة، بل العقل یحکم بلزوم الخروج عن العهدة بمقدار ما قامت الحجّة ‏‎ ‎‏علیه، وبما أنّ الحجّة قامت علی الأقلّ، فلو کان الغرض حاصلاً به فهو، وإلا ‏‎ ‎‏ففوت الغرض مستند إلی قصور بیان المولی؛ لعدم البیان، أو لعدم إیجاب ‏‎ ‎‏التحفّظ والاحتیاط. ‏

‏بل یمکن أن یقال: إنّ الغرض یسقط بإتیان الأقلّ ویتبعه سقوط الأمر؛ إذ لو ‏‎ ‎‏لم یسقط به فی نفس الأمر لوجب علی المولی الحکیم، إمّا البیان أو جعل ‏‎ ‎‏الاحتیاط تحفّظاً علی أغراضه، وإلا یلزم التلاعب بالغرض ونقضه وهو قبیح علی ‏‎ ‎‏الحکیم تعالی وحیث إنّه لم یبیّنه ولم یوجب الاحتیاط نستکشف من ذلک قیام ‏‎ ‎‏الغرض بالأقلّ وسقوطه به. ‏

‏وثالثاً: أنّ العلم الإجمالی إذا کان بعض أطرافه مجهول العنوان؛ بحیث لا ‏‎ ‎‏ینقدح فی ذهن المکلّف بعنوانه أبداً لا یکون منجّزاً؛ فإنّ تنجّزه متوقّف علی ‏‎ ‎‏إمکان الباعثیة علی أیّ تقدیر ـ أی فی أیّ طرف کان من الأطراف ـ فإذا کان ‏‎ ‎‏بعض أطرافه مجهول العنوان لا یمکن البعث إلیه، وما نحن فیه من هذا القبیل، ‏‎ ‎‏فإنّه ما من تکلیف من التکالیف المرکّبة إلا ویحتمل أن یکون له جزء دخیل فی ‏‎ ‎‏سقوط الغرض یکون مخفیّاً عنّا؛ لعدم العثور علی دلیله، فمن الممکن أن یکون ‏‎ ‎‏للصلاة مثلاً جزء أو شرط آخر لم یصل إلینا ویکون دخیلاً فی سقوط الغرض، ‏‎ ‎‏فالعلم بأنّ الغرض إمّا قائم بالأقلّ، أو الأکثر، أو هو مع شیء آخر لا نعلمه، لا ‏‎ ‎‏یمکن أن یکون منجّزاً. ‏

‏وبعبارة اُخری: یحتمل أن یکون للصلاة مثلاً أجزاء وشرائط لم تصل إلینا ‏‎ ‎
‎[[page 306]]‎‏أصلاً ویحتمل دخولها فی سقوط الغرض ومثل هذا العلم غیر منجّز أصلاً؛ لکون ‏‎ ‎‏طرف العلم مجهول العنوان فلزوم العلم بسقوط الغرض الواقعی موجب لعدم ‏‎ ‎‏العلم فی مطلق التکالیف بسقوط الأوامر؛ إذ ما من مکلّف إلا ویحتمل دخالة ‏‎ ‎‏شیء فی متعلّقه دخیل فی حصول الغرض لم یصل إلینا حتّی یصحّ الاحتیاط، ‏‎ ‎‏ویلزم منه سدّ باب الإطاعات.‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا عدم لزوم شیء علی العبد إلا الخروج عن عهدة ما قامت ‏‎ ‎‏الحجّة علیه؛ یسقط الغرض أم لا، نعم، مع العلم بالغرض الملزم لابدّ من ‏‎ ‎‏تحصیله، کان أمر من المولی أم لا. ‏

‎ ‎

‎[[page 307]]‎

  • . فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25: 319.
  • . فوائد الاُصول 4: 172 ـ 173 و176.

انتهای پیام /*