ذکر وتعقیب
بعد ما عرفت الضابط فی غیر المحصورة حسبما أفاده شیخنا العلامة الحائری قدس سره من بناء العقلاء ودلالة الأخبار لا یهمّنا التعرّض لما نقله شیخنا الأعظم
[[page 233]]ـ أعلی الله مقامه ـ من کلمات الأصحاب فی ضابطها ومن أراد فلیراجعها.
نعم، لا بأس بالإشارة إلی ذکر بیان الضابطة التی تصدّی المحقّق النائینی قدس سره لبیانها علی ما فی تقریراته، وبیان النظر فیها.
وذلک لأنّه قدس سره حکی اختلاف کلمات الأصحاب فی الضابط لکون الشبهة غیر محصورة، فعن بعضهم تحدیدها ببلوغ الأطراف إلی حدّ یعسر عدّها، وزاد بعض قید فی زمان قلیل، وعن بعض إرجاعه إلی العرف، وقد قیل فی تحدیدها اُموراً اُخر لا تخفی علی المتتبّع مع ما فیها من عدم الانعکاس والاطّراد إلی أن قال:
والأولی أن یقال: إنّ ضابط الشبهة غیر المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهة حدّاً لا یمکن عادة جمعها فی الاستعمال من أکل أو شرب أو لبس أو نحو ذلک، وهذا یختلف باختلاف المعلوم بالإجمال فتارة یعلم بنجاسة حبّة من الحنطة فی ضمن حقّة منها. فهذا لا یکون من الشبهة غیر المحصورة؛ لإمکان استعمال الحقّة من الحنطة بطحن فی خبز وأکل، مع أنّ نسبة الحبّه إلی الحقّة تزید عن نسبة الواحد إلی الألف، واُخری یعلم بنجاسة إناء من لبن البلد، فهذا یکون من الشبهة غیر المحصورة ولو کانت أوانی البلد لا تبلغ الألف؛ لعدم التمکّن العادی من جمع الأوانی فی الاستعمال وإن کان المکلّف متمکّناً من آحادها، فلیس العبرة بقلّته وکثرته فقط؛ إذ ربّ کثیر تکون الشبهة فیه محصورة کالحقّة من الحنطة کما أنّه لا عبرة بعدم التمکّن العادی من جمع الأطراف فی الاستعمال فقط إذ ربما لا یتمکّن عادة من ذلک مع کون الشبهة محصورة کما لو
[[page 234]]کان بعض الأطراف فی أقصی بلاد المغرب، بل لابدّ من کلا الأمرین: وهما کثرة الأطراف وعدم التمکّن العادی من الجمیع.
وبهذا تمتاز الشبهة غیر المحصورة عمّا تقدّم فی الشبهة المحصورة من أنّه یعتبر فیها إمکان الابتلاء، بکلّ واحد من أطرافها، فإنّ إمکان الابتلاء بکلّ واحد غیر إمکان الابتلاء بالمجموع، فالشبهة غیر المحصورة ما تکون کثرة الأطراف فیها بحدّ یکون عدم التمکّن من استعمال الجمیع مستنداً إلی کثرة الأطراف لا إلی أمر آخر.
ومن ذلک یظهر حکم الشبهة غیر المحصورة وهو عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب الموافقة القطعیة.
أمّا عدم حرمة المخالفة القطعیة فلأنّ المفروض عدم التمکّن العادی منها.
وأمّا عدم وجوب الموافقة القطعیة فلأنّ وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعیة؛ لأنّها هی الأصل فی باب العلم الإجمالی؛ لأنّ وجوب الموافقة القطعیة یتوقّف علی تعارض الاُصول فی الأطراف، وتعارضها یتوقّف علی حرمة المخالفة القطعیة، فیلزم من جریانها فی جمیع الأطراف مخالفة عملیة للتکلیف المعلوم فی البین، فإذا لم تحرم المخالفة القطعیة کما هو المفروض لم یقع التعارض بین الاُصول ومعه لا تجب الموافقة القطعیة.
ولکن فیما أفاده نظر:
فأوّلاً: أنّه ما المراد بعدم التمکّن من الجمع بینها فی الاستعمال؟ فإن أراد عدم إمکان الجمع دفعة فیلزم أن یکون غالب الشبهات المحصورة غیر المحصورة
[[page 235]]کما لا یخفی؛ وإن أراد الأعمّ منها ومن التدریج ولو فی ظرف مدّة، فلابدّ من تعیین ذلک الزمان الذی لا یمکن الجمع التدریجی؛ لأنّه إن أراد عدم التمکّن فی مدّة قلیلة یلزم أن یکون کثیر من الشبهات المحصورة غیر محصورة؛ إذ قلّما یتّفق أن لا یمکن الجمع بین الأطراف ولو فی مدّة سنة مثلاً فتکون الشبهة علی ما أفاده محصورة وهذا ممّا لا یمکن الالتزام به.
إن قلت: إنّ ارتکاب جمیع الأطراف ممّا لا یمکن غالباً ولو تدریجاً لفقدان بعض الأطراف فی طول المدّة لا محالة.
مضافاً إلی أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی التدریجیات محلّ إشکال.
قلت: خروج بعض الأطراف بعد تنجیز العلم الإجمالی غیر مؤثّر ولا یضرّ بتنجیز العلم الإجمالی فی بقیة الأطراف.
مضافاً إلی ما أشرنا من أنّ البحث ممحّض فی کون الشبهة غیر محصورة مع قطع النظر عن الجهات الاُخر من فقدان بعض الأطراف.
مع أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی التدریجیات من حیث الاستعمال ممّا لا إشکال فیه ومن حیث التدریج فی الوجود أیضاً مؤثّر علی الأقوی.
وثانیاً: ـ وهی العمدة فی الجواب ـ أنّ المیزان فی تنجیز العلم الإجمالی هو فعلیة التکلیف وعدم استهجان الخطاب ومورد التکلیف إنّما هو کلّ فرد فرد لا الجمع بین الأطراف والمفروض تمکّنه من استعمال کلّ واحد، والجمع بین الأطراف وإن لم یکن متمکّناً إلا أنّه غیر مورد التکلیف.
وبالجملة مورد التکلیف فی المفروض إنّما هو کلّ واحد من الأطراف والمکلّف متمکّن من الإتیان به غیر خارج عن ابتلائه وما لا یکون متمکّناً منه
[[page 236]]وهو الجمع بینها لم یتعلّق به تکلیف من المولی وإنّما هو حکم العقل فی أطراف العلم الإجمالی.
فالعلم الإجمالی منجّز بالنسبة إلی الأطراف وإن لم یتمکّن المکلّف من الجمع بینها ونتیجته حرمة المخالفة الاحتمالیة بارتکاب بعض الأطراف، فارتکاب بعضها لا یجوز عقلاً لتعلّق العلم بالتکلیف الفعلی وکونه منجّزاً بالنسبة إلی الأطراف.
فاتّضح ممّا ذکرنا النظر فیما أفاده أخیراً من عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب الموافقة القطعیة؛ لأجل تفرّع الثانیة علی الاُولی؛ لأنّ عدم التمکّن من الجمع بین الأطراف لم یکن مورداً للتکلیف شرعاً، بل کلّ واحد من الأطراف وهو مقدور له ومورد لابتلائه، فتحرم علیه المخالفة الاحتمالیة بارتکاب بعض الأطراف، فضلاً عن البقیة.
ثمّ إنّه بعد ما اتّضح لک بما ذکرنا فی ضابط الشبهة غیر المحصورة وأنّه لا فرق فی ذلک بین الشبهات التحریمیة والشبهات الوجوبیة یظهر النظر فیما ذکره فی ذیل المسألة بقوله:
«ما ذکرنا فی وجه عدم وجوب الموافقة القطعیة إنّما یختصّ بالشبهات التحریمیة؛ لأنّها هی التی لا یمکن المخالفة القطعیة فیها وأمّا الشبهات الوجوبیة، فلا یتمّ فیها ذلک؛ لأنّه یمکن المخالفة القطعیة فیها بترک جمیع الأطراف وحینئذٍ لابدّ من القول بتبعیض الاحتیاط ووجوب الموافقة الاحتمالیة فی الشبهات الوجوبیة».
توضیح النظر لائح ممّا ذکرنا، فلاحظ.
[[page 237]]