ذکر وتعقیب
تصدّی المحقّق النائینی قدس سره لدفع القول بعدم استمراریة التخییر بأنّ التخییر البدوی فی المقام یدور مدار أمرین: أحدهما حرمة المخالفة القطعیة شرعاً لیجب التجنّب والفرار عن حصولها ولو بعد ذلک، فیجب علی المکلّف عدم إیجاد ما یلزم منه المخالفة القطعیة.
والثانی ملاحظة الوقائع المتعدّدة منضمّاً بعضها إلی بعض فی تعلّق التکلیف بها حتّی یتمکّن المکلّف من مخالفة التکلیف بتبعیض الوقائع واختیاره فی البعض ما یخالف اختیاره فی الآخر وکلّ من الأمرین محلّ منع.
أمّا الأوّل فلأنّ المخالفة القطعیة لم یتعلّق بها التکلیف التحریمی المولوی، وغایة ما یکون هی حکم العقل بقبحها لحکمه بحسن الإطاعة من دون استتباع للخطاب المولوی، وحکم العقل بقبح المخالفة القطعیة فرع تنجّز التکلیف، وإلا فنفس المخالفة بما هی مخالفة لا یحکم العقل بقبحها کما لو اضطرّ إلی الاقتحام فی أحد الأطراف المعلوم بالإجمال واتّفقت مصادفة ما اضطرّ إلیه للحرام الواقعی، فإنّه مع حصول المخالفة یکون المکلّف معذوراً ولیس ذلک إلا
[[page 120]]لعدم تنجّز التکلیف، ولا یکون التکلیف منجّزاً فی کلّ لیلة من لیالی الجمعة لأنّه فی کلّ لیلة منها یکون الأمر دائراً بین المحذورین.
وأمّا الثانی فلأنّ متعلّق التکلیف إنّما هو الوطی أو الترک فی کلّ لیلة من لیالی الجمعة ففی کلّ لیلة یدور الأمر بین المحذورین ولا یلاحظ انضمام اللیالی بعضها مع بعض حتّی یقال: إنّ الأمر فیها لا یدور بین المحذورین من جهة أنّ المکلّف یتمکّن من الفعل فی جمیع اللیالی المنضمّة، ومن الترک فی جمیعها أیضاً، ومن التبعیض بأن یفعل فی بعض اللیالی ویترک فی بعضها الآخر.
وبالجملة: اللیالی بقید الانضمام لم یکن متعلّقاً للتکلیف، بل المتعلّق کلّ لیلة من لیالی الجمعة مستقلّة بحیال ذاتها، فإذا کان کلّ من الأمرین الذین یبتنی علی أحدهما التخییر البدوی محلّ منع فلا محیص من التخییر الاستمراری وإن حصل العلم بالمخالفة أو محرّراً.
أقول: لو اُغمض النظر عمّا ذکرنا من أنّهما متساویین ولا یری العقل ترجیحاً للموافقة الاحتمالیة التوأمة مع المخالفة الاحتمالیة علی المخالفة القطعیة التوأمة مع الموافقة القطعیة لا یتمّ ما أفاده؛ لأنّه لا قصور فی منجّزیة العلم الإجمالی ولا فی المعلوم، حیث إنّه تکلیف فعلی معلوم والقصور فی ناحیة المکلّف، حیث إنّه لا یمکنه الجمع بین الفعل والترک، وإلا فلو أمکن المکلّف من الجمع بین النقیضین لأثّر العلم الإجمالی أثره ولذا لو دار الأمر بین التعبّدیین، أو بین تعبّدی وتوصّلی حیث إنّه یمکن منه المخالفة القطعیة فیؤثّر أثره.
وبالجملة: لا قصور فی ناحیة العلم الإجمالی؛ لأنّه کاشف عن الواقع ولا فی
[[page 121]]المعلوم لکونه حکماً فعلیاً، بل القصور فی ناحیة المکلّف من جهة عدم قدرته فی التوصّلیین من الموافقة القطعیة والمخالفة القطعیة، فلیس ذلک إلا لحضیضیة المورد بالنسبة إلی المکلّف، فإن أمکن الموافقة القطعیة لأثّر العلم الإجمالی أثره.
وأمّا قوله قدس سره: إنّ النهی عن المخالفة لیس نهیاً شرعیاً الخ فلو تمّ ذلک فی جانب المخالفة یمکن أن یقال بذلک فی جانب الموافقة القطعیة ولا فرق بین الموافقة والمخالفة فی ذلک.
الصورة الرابعة: ما إذا کانت الواقعة واحدة وکان الطرفان تعبّدیین أو أحدهما المعیّن تعبّدیاً.
ولا یخفی أنّ الموافقة القطعیة منها وإن کانت ممتنعة إلا أنّ المخالفة القطعیة عند ذاک بمکان من الإمکان من جهة إمکان الإتیان بأحد الطرفین أو المعیّن کونه تعبّدیاً بلا قربة، فیخرج عن موضوع البحث الذی هو دوران الأمر بین المحذورین وحیث نمتنع الموافقة القطعیة فیحرم المخالفة القطعیة بلا إشکال.
وأمّا إذا کان أحدهما غیر المعیّن تعبّدیاً فهل یجوز أن یأتی بأحد الطرفین والعمل علی طبقه بلا قربة، أو یجب إتیانه بقصد القربة والرجاء؟ وجهان:
فإن قلنا: إنّه لا قصور فی العلم الإجمالی ولا فی المعلوم کما هو الحقّ عندنا فیجب إتیانه بقصد القربة والرجاء إلا إذا کان فی البین عذراً.
وذلک لأنّه إذا أتی بأحد الطرفین بلا قصد القربة یوجب مخالفة العلم الإجمالی من جهتین إحداهما احتمال کون الطرف الآخر واجباً وقد ترکه
[[page 122]]والثانیة احتمال کون ما أتی به واجباً تعبّدیاً، وأما إذا أتی به بقصد القربة فاحتمال المخالفة إنّما هی من جهة واحدة وهو احتمال کون الطرف الآخر واجباً، فلابدّ من حفظ القدرة مهما أمکن، ولا یکون معذوراً فی مخالفة الجهة الثانیة ولاحجّة مقبولة فی یده فإتیانه مع قصد القربة أقلّ محذوراً من إتیانه بلا قصد القربة.
نعم لو قلنا: إنّ العلم الإجمالی فی دوران الأمر بین المحذورین وجوده کعدمه فلا، فلا ضیر لإتیان الفعل بلا قصد القربة فتدبّر والحمد لله ربّ العالمین.
[[page 123]]