هل ترجیح قول الأفضل لزومیّ أم لا ؟
نعم، یبقی فی المقام أمر؛ وهوأنّه هل تقدّم فتوی الأفضل بنحو الإلزام؛ بأن یُقال: إنّ نظر الأفضل وفتواه کاشف عن خطأ الآخر فی فتواه و علی عدم أماریّتها، دون
[[page 628]]العکس، أو أنّه بنحو الاستحسان لا الحتم؟
الظاهر هو الثانی، کما یظهر ذلک من التصفّح والتأمّل فی مبانی العقلاء فی موارد رجوعهم إلی أرباب الصناعات، فإنّ الرجوع إلی الأعلم ـ مع الإمکان وعدم العسر والحرج ـ أمر مستحسن عندهم لا حتمیّ، وأمّا مع تعذّر الرجوع إلی الأعلم وإن لم یکن من الأعذار العقلائیّة، فلاریب فی رجوعهم إلی غیر الأفضل، فالرجوع إلی الأفضل من باب الاحتیاط ومستحسن عندهم، لا أنّه متعیّن ومتحتّم، لکنّه إنّما هو فیما إذا لم یحتمل مخالفتهما فی الرأی احتمالاً معتدّاً به؛ لإلغاء احتمال الخلاف فی فتوی کلّ واحد من الأعلم وغیر الأعلم حینئذٍ، وأمّا مع الاحتمال العقلائی فی مخالفة فتواه لفتوی الأعلم أو العلم الإجمالی بذلک، فالرجوع إلی الأعلم متعیّن عندهم؛ لأنّه لایجتمع إلغاءُ احتمال الخلاف بالفعل فی فتواهما مع العلم الإجمالی بالمخالفة بین قولیهما، بل ومع الاحتمال أیضاً إذا کان عقلائیّاً، ففی الموارد التی یتراءی منها من رجوعهم إلی غیر الأعلم ؛ مع التمکّن من الرجوع إلی الأعلم ، لابدّ أن یکون لأجل عدم حصول الاحتمال العقلائی بمخالفتهما فی الفتوی ، فضلاً عن العلم الإجمالی بها.
نعم العلم الإجمالی بذلک فی فتاوی غیر محصورة، لایمنع من الرجوع إلی غیر الأعلم.
فالحاصل : أنّ مقتضی القواعد هو تعیّن الرجوع إلی الأعلم مع العلم بالمخالفة بین فتواهما ولو إجمالاً، بل ومع احتمالها إذا کان له منشأ عقلائی. هذا کلّه بحسب الأصل الأوّلی.
[[page 629]]