هل المرجّحات السندیّة جاریة فی العامّین من وجه أم لا ؟
ثمّ علی فرض عموم الأخبار العلاجیّة للعامّین من وجه، فهل تجری فیهما جمیع المرجِّحات حتّی المرجِّحات السندیّة، أو أنّه لاتجری فیهما تلک المرجِّحات؟ کما اختاره المیرزا النائینی قدس سره؛ حیث قال ما حاصله: الظاهر أنّه لایُرجع فیهما إلی المرجِّحات السندیة، بل لابدّ فیهما من الرجوع إلی المرجّحات الجهتیّة، ومع فقدها فإلی المضمونیّة؛ لأنّ التعارض فیهما إنّما هو فی بعض المضمون؛ أی مادّة الاجتماع، وأمّا مادّتا افتراقهما فلا تعارض بینهما فیها، وحینئذٍ فلا معنی للرجوع فیهما إلی المرجّحات السندیّة؛ لأنّه إن اُرید من الرجوع إلیها طرح أحدهما رأساً، والمعاملة معه معاملة مع الخبر الغیر الصادر، فلا وجه له؛ لعدم ابتلائه بالمعارضة فی مادّة افتراقه، مع شمول أدلّة حجّیّة خبر الواحد له.
وإن اُرید منه طرحه فی خصوص مادّة الاجتماع فهو غیر ممکن، فإنّ الخبر
[[page 514]]الواحد لایقبل التبعیض فی بعض المدلول من حیث الصدور؛ بأن یقال: إنّه صادر فی بعض المدلول، وغیر صادر فی البعض الآخر.
وما یقال : من انحلاله إلی أخبار متعدّدة حسب تعدّد أفراد الموضوع، کما هو الشأن فی جمیع القضایا الحقیقیّة، فلا محذور فی طرح أحد العامّین من وجه فی خصوص مادّة الاجتماع دون الافتراق.
واضح الفساد ، فإنّ الانحلال المذکور لایقتضی تعدّد الروایة، بل لیس فی البین إلاّ روایة واحدة، رتّب فیها الحکم علی موضوعه المقدّر وجوده. انتهی.
أقول : ما أفاده ـ من أنّه لا معنی للرجوع إلی المرجِّحات الصدوریّة فیهما ـ إن أراد منه أنّ التعبّد بصدور خبر فی بعض مدلوله دون بعض، ممتنع عقلاً، فهو ممنوع لأنّ الذی یأباه العقل هو صدوره وعدم صدوره تکویناً، فإنّه غیر معقول، وأمّا شرعاً وفی عالم التعبّد ـ بمعنی الحکم بترتیب بعض الآثار فقط ـ فلا؛ لأنّ التعبّد باب واسع یمکن التعبّد بما هو ممتنع تکویناً، مثل التعبّد بوجود المعلول دون علّته، وبالعکس، وبأحد المتلازمین عقلاً دون الآخر.
وإن أراد عدم إمکانه عرفاً ـ وإن کان ذلک خلاف ظاهر عبارته ـ بتقریر: أنّ أخبار العلاج بمرجّحات الصدور: هو إمّا التعبّد بالصدور، أو التعبّد بعدمه، ویبعد عند العرف التعبّد بالصدور من جهة، وعدمه من جهة اُخری، وإن لم یمتنع ذلک عقلاً.
ففیه : أنّ قوله علیه السلام : (خذ بأوثقهما) لیس أمراً بالحکم بصدوره بتمام مضمونه؛ حتّی یقال: إنّ لازمه فرض تعدّد السند والصدور، بل لیس معناه إلاّ الأمر بترتیب الأثر علیه والعمل به؛ من حیث إنّه أحفظ وأضبط لِقیود الکلام، وإنّه أقلّ
[[page 515]]اشتباهاً وخطأً من الآخر، فیُؤخذ بتمام مضمون أحد الخبرین وبعض مضمون الآخر.
وبالجملة : بعد العلم بخطأ أحدهما فی النقل بالنسبة إلی مادّة الافتراق، یدور الأمر بین خطأ الأوثق فی حفظ قیود الکلام وضبطها، وبین خطأ غیره، فلا مانع من التعبّد بصدور خبر الأوثق بجمیع مضمونه ؛ بمعنی ترتّب الأثر علیه والتعبّد بصدور الآخر بالنسبة إلی بعض مضمونه.
فالحقّ : جریان جمیع المرجّحات فی العامّین من وجه؛ بناءً علی شمول أخبار التعارض والعلاج لهما.
إذا عرفت ذلک کلّه فلنشرع فی البحث فی أصل المطلب فی المقام، وفیه مقامان:
[[page 516]]