المختار فی أصالة عدم التذکیة
وأمّا الکلام فی أصالة عدم التذکیة فتوضیحه: أنّ فی معنی التذکیة احتمالات:
أحدها : أنّها عبارة عن معنیً محصَّل من اُمور ستّة : فری الأوداج الأربعة، وقابلیّة المحلّ، وإسلام الذابح، والذبح بالحدید، والتسمیة، والاستقبال.
ثانیها : أنّها مرکّبة من نفس هذه الاُمور الستّة.
ثالثها : أنّها عبارة عن إزهاق الروح مع هذه الشرائط الخاصّة.
رابعها : أنّها عبارة عن إزهاق الروح حال وجود هذه الاُمور الستّة.
فهذه أربعة احتمالات فی معنی التذکیّة، والظاهر هو الثالث.
وکیف کان لا إشکال فی أنّ الموضوع للنجاسة والحرمة لیس هو عدم إزهاق الروح أو عدم التذکیة ـ الصادق مع عدم وجود الحیوان أو مع وجوده وحیاته ـ بلا ریب ولا إشکال ؛ لعدم قیام دلیل علی ذلک، بل لایمکن ذلک أیضاً.
بل الموضوع للحِلّیّة والطهارة هو إزهاق الروح مع الشرائط الخاصّة المعتبرة شرعاً، أو الموضوع للطهارة والحلّیّة هو إزهاق الروح بکیفیّة خاصّة معتبرة فی الشرع، وموضوع النجاسة والحرمة هو إزهاق الروح لا بکیفیّة خاصّة، المتحقّق بانتفاء أحد هذه الاُمور الستّة؛ المذکورة بنحو المعدولة أو السالبة المحمول أو السالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع؛ أی إزهاق الروح، وحینئذٍ فلا حالة سابقة له حتّی یستصحب ؛ لأنّه لم یکن سابقاً زمان زهق فیه روح هذا الحیوان بدون الکیفیّة الخاصّة، وشکّ فی بقائه؛ حتّی یستصحب بأحد الاعتبارات الثلاثة: أی الحیوان الذی زهق روحه لا بکیفیة خاصّة، أو الذی لم یتحقّق معه الکیفیّة الخاصّة، أو مسلوباً عنه الکیفیّة الخاصّة، أو مع نقیض الکیفیّة الخاصّة.
والذی له حالة سابقة هو عدم التذکیة بالمعنی الأعمّ؛ الصادق مع عدم الحیوان،
[[page 134]]أو خصوص عدمها بانتفاء الحیوان.
ولکن قد عرفت أنّ موضوعهما لیس هذا المعنی العامّ أو الخاصّ ، بل عدم التذکیة مع وجود الحیوان وإزهاق روحه لا مع الکیفیة الخاصّة، کما یدلّ علیه قوله تعالی : «فَکُلُوا مِمّا ذُکِرَ اسْمُ الله ِ عَلَیْهِ»، وقوله تعالی : «وَلا تَأْکُلُوا مِمّا لَمْ یُذْکَرِ اسْمُ الله ِ عَلَیْهِ»، وقوله تعالی: «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالدَّمُ ولَحْم الخِنزیرِ وم ا اُهلَّ لغیرِ الله به والمُنْخَنِقَةُ والمَوْقُوذةُ والمُتَرَدِّیةُ والنطیحةُ وما أکَلَ السَبُعُ إِلاّ ما ذکّیْتُم».
فإنّ المستفاد من جمیعها : أنّ موضوعَ الحرمة الحیوانُ الذی زهق روحه لابکیفیّة خاصّة، وکذلک الروایات، وحینئذٍ فاستصحاب عدم التذکیة بالمعنی العامّ الصادقة مع انتفاء الموضوع، لایُثبت هذا المعنی الخاصّ الموضوع للحکم، کما ذکر الفاضل التونی قدس سره: من أنّه من قبیل استصحاب الضاحک لإثبات وجود زید.
وإن اُرید استصحاب خصوص عدم التذکیة مع عدم الحیوان لإثبات قسم آخر، وهو عدم التذکیة مع وجود الحیوان المزهوق روحه، فهو أسوء حالاً من استصحاب الکلّی لإثبات الفرد، وأنّه مثل استصحاب وجود زید لإثبات وجود عمرو، وفساده غنیّ عن البیان.
فتلخّص من ذلک : أنّ مقتضی القواعد الاُصولیّة عدم جریان أصالة عدم التذکیة، ولا غیرها من الأعدام الأزلیّة.
[[page 135]]