تحقیق الحال فی المقام
ثمّ علی فرض تسلیم ذلک لکن لایختل بذلک استصحاب الأحکام الشرعیّة
[[page 17]]المستفادة من الأحکام العقلیّة؛ حیث إنّ موضوعها غیر موضوعات الأحکام العقلیّة.
توضیح ذلک : إنّ العناوین الکلّیّة المتعلّقة للأحکام الشرعیّة الابتدائیّة؛ الغیر المستندة إلی الأحکام العقلیّة، وکذلک المستکشفة من الأحکام العقلیّة، تتغیّر بسبب تغیّر بعض الخصوصیّات والقیود المأخوذة فیها؛ حیث إنّها لیست من الحالات الطارئة علیها لئلاّ تتغیّر بتغیّرها، بل جمیعها مقوّمات للموضوع، ویتغیّر عنوان الموضوع بتغیّرها، فإنّ الإنسان الأبیض مغایر للإنسان المطلق بدون هذا القید، واستصحاب حکم أحدهما إلی الآخر إسراءُ حکمٍ من موضوع إلی موضوع آخر، لکن لو تعلّق حکم شرعیّ بعنوان من العناوین، کما لو فرض استکشاف حکم شرعیّ من حکم عقلیّ ـ مثل حرمة العصیر العنبی إذا غلا ـ فمصادیق هذا العنوان ـ وهی هذا العصیر وذاک ـ محکومة بهذا الحکم التعلیقی بعد انطباق العنوان الکلّی ـ المحکوم بهذا الحکم الکلّی ـ علیها، فیسری الحکم إلی مصادیق هذا العنوان، فیقال: هذا العصیر ـ الموجود فی الخارج المشار إلیه ـ إذا غلا یحرم، فإذا جفّ وصار زبیباً یشکّ فی بقاء ذاک الحکم الشخصی علی هذا الموضوع الخارجی المشار إلیه وعدمه، فلا مانع من استصحابه؛ لبقاء الموضوع بشخصه وعینه.
وکما لو فرض حکم العقل بإنقاذ کلّ غریق مؤمن، واستکشف منه حکم الشرع بذلک، وفُرض أنّ زیداً أحد مصادیق ذلک العنوان، فهو محکوم بوجوب إنقاذه، فلو شکّ فی وجوب إنقاذه بعد ذلک من جهة الشکّ فی زوال إیمانه وعدمه، فإنّه لامانع من استصحاب وجوب إنقاذه الثابت قبل هذا الشکّ مع بقاء الموضوع بالحسّ والعیان.
وبالجملة : موضوع حکم العقل غیر موضوع الاستصحاب، فإنّ موضوع حکم العقل عنوان کلّیّ ومفهوم عامّ، وموضوع الاستصحاب مصداقه، وتختلف
[[page 18]]العناوین باختلاف قیودها وتغیّرها، بخلاف المصادیق.
وحینئذٍ فإن أراد الشیخ قدس سره منع استصحاب الأحکام الکلّیّة الشرعیّة المستکشفة من الأحکام العقلیّة المتعلّقة بعناوینها الکلّیّة فهو صحیح لا غبار علیه.
وإن أراد منع استصحاب الأحکام المذکورة المتعلِّقة بالمصادیق بعد انطباق العناوین الکلّیّة ـ المتعلَّقة للحکم الکلّی ـ علیها وانحلاله فهو ممنوع؛ لما عرفت من عدم الإشکال فی استصحاب أحکام المصادیق لبقاء موضوعها عرفاً واتّحاد القضیّة المتیقّنة والمشکوکة فیه واستصحاب الحکم فیها لیس إسراء له من موضوع إلی آخر.
[[page 19]]
[[page 20]]