1 ـ دلیل الید
وقد استدلّ علی ذلک بدلیل الید.
وذکر بعض المحقّقین رحمه الله فی تقریب ذلک ـ بناء علی مسلکه : من أنّ مفاد دلیل الید اعتبار العین فی العهدة ـ : أنّ هذا الاعتبار فعلاً فی کلّ زمان یحتاج إلی أثر مصحّح، وإلاّ کان اعتبارها لغواً. ومن الواضح أ نّه عند تعذّر ردّها وعدم تلفها لیس لها عهدة تکلیفیّة؛ حیث یستحیل التکلیف بردّها، ولیس لها عُهدة تدارکیّة لنفسها؛
[[page 339]]حیث إنّها غیر تالفة، فلو لم یجب تدارکها من حیث فوات السلطنة علی الانتفاعات بها، کان اعتبار عهدتها فعلاً لغواً، فالالتزام بکونها فی العهدة فعلاً یقتضی الالتزام بأثر لها فعلاً. انتهی محلّ الحاجة.
والجواب عن ذلک :
أوّلاً : أنّ دفع محذور اللغویّة غیر منحصر بالالتزام ببدل الحیلولة، بل المحذور یندفع بترتّب أثر آخر علی هذا الاعتبار، کجواز المصالحة علیه وبیعه وغیر ذلک من الآثار.
وثانیاً : قد مرّ مراراً أنّ قیاس الأحکام القانونیّة بالشخصیّة أوجب مثل هذه الإشکالات، والحال أنّ مبادئ کلٍّ منهما وغایاته مغایرة لمبادئ الآخر وغایاته، وصحّة جعل القانون لایدور مدار وجود المبادئ والغایات فی الأشخاص، بل المصحّح له وجود أثر فی محیط هذا القانون ولو فی بعض الأفراد، وقد مرّ تفصیل ذلک، فلاحظ.
نعم، یمکن تقریب هذا الدلیل علی نحو آخر یثبت ضمان بدل الحیلولة فی الجملة: وهو أنّ دلیل الید مثبت لضمان الید بالنسبة إلی ما اُخذت، وقد مرّ: أنّ معنی الضمان أمر تعلیقیّ، وهو تعلّق المثل أو القیمة بالعهدة علی تقدیر التلف، فهل التلف المذکور فی المقام له موضوعیّة لفعلیّة الضمان، أو أ نّه أحد مصادیق موضوعها، والحکم بالضمان من جهة الحیلولة بین المالک وماله؟
لاینبغی الإشکال فی أنّ موضوع الضمان عند العقلاء لیس منحصراً بالتلف، بل الموضوع عندهم إزالة سلطنة المالک عن ماله؛ بحیث لایمکنه الوصول إلی ماله، ولذا لو أخذ قاهر مال زید من ید الغاصب، کان الغاصب ضامناً له؛ مع عدم إمکان أخذ ماله من القاهر وإن لم یتلف المال بعدُ، فالمیزان بنظر العقلاء هو الحیلولة وإزالة
[[page 340]]سلطنة المالک عن ماله؛ بحیث لایمکنه الوصول إلیه.
وبعبارة اُخری : أ نّه لیس فی دلیل الید کلمة التلف حتّی نبحث فی مفهومه، بل مفاد هذا الدلیل التعبّد بضمان الید بالنسبة إلی ما اُخذت، ومعنی الضمان أمر عقلائیّ کما ذکرنا، بل فی قاعدة الإتلاف أیضاً الأمر کذلک، فإنّ الإتلاف وإن کان مذکوراً فی القاعدة، إلاّ أ نّه من باب ذکر أظهر المصادیق، فإنّ هذه القاعدة کمعنی الضمان عقلائیّة، والأمر عند العقلاء ما ذکرنا، وفی الشرع وإن وردت کلمة الإتلاف والتضییع موضوعاً لذلک، إلاّ أنّ الخصوصیّة ملغاة عن ذلک بنظر العقلاء؛ بحیث لایفهمون من الدلیل إلاّ أنّ قطع ید المالک عن ماله موجب للضمان.
فبهذا التقریب یمکن إثبات ضمان بدل الحیلولة فی الجملة، بل ظهر بما ذکر: أنّ الضمان فی جمیع الموارد هو ضمان الحیلولة؛ لعدم خصوصیّة فی الإتلاف والتلف ونحوهما من العناوین المشابهة لهما، وتفصیل ذلک یأتی فی ضمن مطالب هذه المسألة.
[[page 341]]