القول بلزوم أداء أعلی القیم
وأمّا منشأ لزوم أداء أعلی القیم من زمان الأخذ إلی زمان التلف : فهو أنّ العین بجمیع أوصافها الحاصلة تحت الید مضمونة علی الآخذ، ومن الأوصاف تفاوت القیمة السوقیّة.
وقد مرّ الجواب عن ذلک، وقلنا: إنّ تفاوت القیمة السوقیّة بمجرّده لیس من الأوصاف بنظر العقلاء؛ وإن کان منشؤه اختلاف الأوصاف بالدقّة العقلیّة، والمعیار فی أمثال المقام بناء العقلاء، لا الدقائق الفلسفیّة.
وأمّا منشأ لزوم أداء أعلی القیم من زمان الأخذ إلی زمان الأداء فأُمور ثلاثة:
أحدها : ثبوت العین فی العُهدة فی الضمانات.
ثانیها : کون اختلاف القیمة السوقیّة مضموناً کسائر الأوصاف.
ثالثها : کون اعتبار العین فی العهدة محقّقاً لاستیلاء الضامن علی ذلک، وإلاّ فلامعنی لضمان اختلاف القیمة الحاصل بعد تلف العین.
ولو سلّمنا الأمرین الأوّلین فلایمکن تسلیم الأخیر؛ لأنّ اعتبار العین فی العهدة غیر الاستیلاء والأخذ، بل یمکن أن یقال: إنّ العهدة مسلّطة علی الضامن، لا العکس، فإنّ المستفاد من کلمة «علی» ـ المفیدة للعُهدة ـ هذا المعنی.
وبالجملة : نمنع صدق عنوان الاستیلاء علی العهدة حتّی تقع مضمونة بعد تلف العین، مع أ نّه یلزم من إثبات ضمان العُهدة بدلیل الید، ما قیل فی الأخبار مع الواسطة من استلزام ذلک کون دلیل الحکم محقّقاً لموضوع نفسه، فإنّه بتحقّق الید تثبت العهدة، فیتحقّق الاستیلاء علی الفرض، فلو قلنا بتطبیق دلیل الید علی هذا
[[page 316]]الاستیلاء لزم المحذور.
ولایمکن الجواب عن ذلک بما اُجیب به فی الأخبار مع الواسطة: من کون الدلیل علی نحو القضیّة الحقیقیّة، أو منحلّة إلی قضایا متعدّدة؛ لعدم مساعدة العرف والعقلاء هنا علی ذلک وإن قلنا بمساعدتهم علیه هناک، فإنّ العقلاء لایرون فرقاً بین الأخبار مع الواسطة وبدون الواسطة فی ترتیب الآثار، والواسطة مغفول عنها عندهم، بل یرون الأثر المخبر به أخیراً أثراً للخبر؛ من دون نظرهم إلی کونه مع الواسطة أو بدون الواسطة، بخلاف المقام؛ لأنّ المفروض أنّ کلّ استیلاء موضوع مستقلّ غیر مغفول عنه، وتطبیق دلیل واحد علی الموضوع الأوّل، وإثبات موضوع نفسه وتطبیقه ثانیاً علی هذا الموضوع، أمر منکر بنظرهم، مع أنّ الالتزام بجعل العهدة علی العهدة لایمکن، وإلاّ یلزم التسلسل، مع أ نّه لو سلّمنا جمیع ذلک، وعدم ورود شیء من الإشکالات، لکن الدلیل منصرف عن الاستیلاء الحاصل من حکم الشارع بالضمان.
[[page 317]]