منع استصحاب سقوط الذمّة بأداء المثل ومناقشته
وقد عکس المحقّق المذکور الأمر فی مورد تلف العین المثلیّة وسقوط مثلها عن المالیّة، وأجری استصحاب بقاء عهدة العین، ومنع استصحاب سقوط الذمّة علی تقدیر أداء المثل.
وذکر فی وجه ذلک : أنّ لزوم أداء المِثْل قبل سقوطه عن المالیّة، إنّما هو من باب أقربیّته إلی التالف، فلایمکننا استصحاب سقوط الذمّة علی تقدیر أداء المثل؛ لأنّا لاندری أنّ الأقرب إلی التالف بعد سقوط المثل عن المالیّة، هل هو المثل الساقط عن المالیّة، أو القیمة، أو هما معاً؟ فیرجع الشکّ إلی الشکّ فی الموضوع، فلایجری الاستصحاب، لکن نعلم اشتغال الذمّة بالعین قبل أداء هذا المثل، ونشکّ
[[page 299]]فی سقوطها به، فنستصحب بقاء العُهدة حتّی تؤدّی القیمة. انتهی محصّلاً.
وأنت خبیر بأنّ استصحاب بقاء العُهدة لو کان مثبتاً فی الفرض السابق، فهو مثبت هنا أیضاً؛ لأنّ المفروض أنّ المجعول الشرعیّ إنّما هو عهدة العین، ولزوم أداء المِثْل أو القیمة لفراغ العهدة عقلیّ لا شرعیّ، فإنّ الکلام علی هذا المبنی، لا المبنی المشهور فی حدیث الید.
وأمّا ما ذکره فی وجه عدم جریان الاستصحاب التعلیقیّ، ففیه : أنّ التردید فی ما هو الأقرب إلی التالف محقّق للشکّ موضوع دلیل الاستصحاب.
وبعبارة اُخری : لو سلّمنا أنّ موضع الدلیل الاجتهادیّ، هو الأقرب إلی التالف علی نحو الواسطة فی العروض ـ ولا نسلّم کما عرفت ـ مع ذلک یجری الاستصحاب، فإنّه بانطباق هذا العنوان علی المثل قبل سقوطه عن المالیّة نحرز سقوط الذمّة علی تقدیر أداء المثل، وبعد سقوطه عن المالیّة ـ من جهة الشکّ فی انطباق العنوان علی المثل الصوریّ، أو القیمة، أو هما معاً ـ نشکّ فی بقاء هذا الحکم التعلیقیّ، فنستصحب ذلک، ونحکم بسقوط الذمّة علی تقدیر أداء هذا المثل، فنقول : هذا کان بحیث لو أدّی سابقاً لسقطت العین عن العهدة، والآن کما کان.
والحاصل : أ نّا فی الاستصحاب لا نحتاج إلی بقاء موضوع الدلیل الاجتهادیّ، بل نحتاج إلی اتّحاد القضیّة المتیقّنة والمشکوکة وهو حاصل، ولذا لو شککنا فی أنّ عنوان الموضوع للدلیل الاجتهادیّ، هل هو علی نحو الواسطة فی العروض، أو الواسطة فی الثبوت، أمکننا إجراء الاستصحاب، ونشیر إلی المصداق، ونقول: هذا کان کذا، والآن کما کان؛ فلیکن فی المقام ـ وهو مورد الشکّ فی الانطباق ـ أیضاً کذلک.
والحاصل : أ نّه لافرق بین الصورتین ـ وجود العین وتلفها ـ فی جریان
[[page 300]]الاستصحاب، والصحیح أنّ استصحاب بقاء العُهدة جارٍ فی الصورتین، والعقل بعد ذلک یحکم بلزوم الجزم بالخروج عن العهدة؛ بأداء العین والقیمة فی الصورة الاُولی، وأداء المثل والقیمة فی الثانیة، والاستصحاب التعلیقیّ غیر جارٍ فی الصورتین، فإنّه من التعلیق فی الموضوع بلا ترتّب أثر شرعیّ علیه.
ثمّ ذکر المحقّق المذکور بعد ذلک : أ نّه لو استفدنا من دلیل الید أنّ الثابت فی العُهدة ـ بعد تلف العین ـ المثل فی المثلیّات، فلایمکن إجراء استصحاب بقاء المثل فی العُهدة؛ لسقوطه عن القیمة، فإنّه من المحتمل أن یکون الثابت المثل المتقوّم بالمالیّة، فیسقط بسقوطه عن المالیّة، ولابدّ من أداء المالیّة، ومن المحتمل أن یکون الثابت المثل، وإن لم یکن کذلک ـ بل کان صوریّاً ـ فیثبت فی الذمّة ولو بعد سقوطه عن المالیّة، فیدور أمر المستصحب بین ماهو مشکوک الحدوث وما هو مرتفع قطعاً، فلایجری فیه الاستصحاب.
ونقول : إنّه لو أراد من ذلک أنّ هذا التردید یمنع من الاستصحاب، فلابدّ من المنع فی جمیع موارد الاستصحاب، ولاسیّما استصحاب القسم الثانی من الکلّی، فإنّ أمر المستصحب دائر بین البقاء والزوال، والذی یسهّل الخطب أنّ هذا التردید محقّق للشکّ، وهو موضوع الاستصحاب، ففی المقام من جهة ذلک التردید نشکّ فی بقاء المثل علی العهدة فیستصحب.
ولو أراد منه ما ذکرنا سابقاً، وأجبنا عنه: بأنّ الکلّی لا وجود له خارجاً إلاّ بالفرد، فلامعنی لاستصحابه، فقد مرّ أنّ هذا خلط بین العقلیّات والعقلائیّات، فراجع.
ولو أراد منه : أنّ الجامع فی المقام لیس بحکم شرعیّ، ولا موضوع ذی أثر شرعیّ.
فجوابه : أنّ المحتمل فی المقام أن یکون المجعول الشرعیّ عهدة نفس
[[page 301]]طبیعة المثل، الجامع بین المتقوّم بالمالیّة وغیره، فنعلم بهذا الجامع، ونشکّ فی بقائه، فنستصحب ذلک، ویکفی فی الاستصحاب أن یکون المستصحب مجعولاً شرعیّاً ولو بلحاظ أحد أطراف الاحتمال، فالجامع وان لم یکن مجعولاً شرعیّاً ـ علی تقدیر أن یکون المجعول عهدة الفرد الخاصّ ـ إلاّ أ نّه علی التقدیر الآخر ـ وهو کونه مجعولاً ـ حکم شرعیّ، وهذا کافٍ فی الاستصحاب.
فتحصّل : أنّ عهدة المثل متیقّنة، وقد شکّ فی بقائها لسقوط المثل عن المالیّة، فنستصحب بقاء العهدة، والحکم العقلیّ بلزوم القطع بالفراغ عنها یستدعی أداء المالیّة أیضاً.
وذکر فی ذیل کلامه : أنّ وجه منع الاستصحاب فی المقام: هو عدم إحراز بقاء الموضوع، ولابدّ فی الاستصحاب من إحراز ذلک.
وهذا مأخوذ من کلام الشیخ الأعظم قدس سره، وتبعه فی ذلک المحقّق النائینی رحمه الله أیضاً.
[[page 302]]