الوجه فی اعتبار الماضویّة ومناقشته
وقد ذکر فی اعتبار الماضویّة : أنّ وجه اعتبارها صراحة الفعل الماضی فی إنشاء العناوین به، بخلاف المضارع والأمر واسم الفاعل وغیره.
والفرق : أنّ الماضی وضع للتحقّق والثبوت، ولذا یستلزم المضیّ، بخلاف اسم الفاعل، فإنّه وضع لتلبّس الفاعل بالمبدأ، وهذا ملازم للتحقّق، فاستعماله وقصد الإنشاء به دائر مدار القول بصحّة الإنشاء بالکنایات.
وبالجملة : الفعل المضارع مع اسم الفاعل متّحدان فی المعنی وإن کان بینهما ترتّب فی النسبة، فإنّ المضارع وضع لنسبة الفعل إلی الفاعل، وبعد تحقّق هذه النسبة یتّصف الفاعل بأنّه ممّن صدر عنه الفعل، ولذا یقال: «ضرب یضرب فهو ضارب»، وکما لایصحّ إنشاء العناوین باسم الفاعل، فکذا لایصحّ بالفعل المضارع، نعم فی خصوص لفظ «طالق» دلّ الدلیل علی وقوع الإیقاع به.
وممّا ذکرنا : ظهر حال الأمر أیضاً، فإنّه وضع لإلقاء نسبة المادّة إلی الفاعل، فقوله: «زوّجنی نفسک» لایفید إلاّ طلب الإنشاء، فحکمه حکم المضارع، فکما أنّه أشبه بالوعد کذلک هو أشبه بالمقاولة.
وأمّا الروایات المتوهّمة دلالتها علی کفایة الفعل المضارع أو الأمر ـ فی أبواب شراء العبد الآبق وبیع المصحف والتزویج ـ فتوجب القطع بأنّ الفعل
[[page 204]]المضارع والأمر فی هذه الأبواب وقعا مقاولة ووعداً واستدعاء فاعتبار الماضویّة لا إشکال فیه، انتهی ملخّصاً.
وفیه : أنّ الماضی ـ حسب اعترافه رحمه الله ـ وضع لما یستلزم المضیّ، لا مطلق التحقّق، فإذا کان الأمر کذلک، فکیف یکون صریحاً فی إنشاء التحقّق الغیر المستلزم لذلک، وأیّ فرق بین الماضی والمضارع من هذه الجهة؟!
وأمّا ما ذکره من الفرق بینهما فلیس بصحیح؛ لأنّ الارتکاز المحاوریّ العرفیّ، شاهد علی أنّ الفرق بین الإخبار بالماضی والمضارع، لیس إلاّ الحکایة عن التحقّق فی المضیّ فی الأوّل، وفی الحال أو الاستقبال فی الثانی، وأمّا أنّ الأوّل صریح فی التحقّق والثانی کنایة عنه، فلیس إلاّ دعوی بلا بیّنة ولا برهان، ولاسیّما ما ذکره: من أنّ الفعل المضارع واسم الفاعل متّحدان بحسب المعنی مترتّبان فی النسبة، ولیت شعری إذا کانا متّحدی المعنی فکیف یحصل الترتّب فی النسبة ؟! أفیکون الشیء مترتّباً فی النسبة علی نفسه، ثمّ إنّه ما الدلیل علی عدم إمکان الإنشاء باسم الفاعل؛ حتّی یجعل ذلک أصلاً لعدم إمکانه بالفعل المضارع؟
وأعجب من جمیع ذلک التزامه بوقوع الطلاق بما لیس بصریح فیه، وهو لفظ «طالق» تعبّداً، فهل یرتضی أحد بأنّ الشارع تعبّدنا بوقوع الطلاق بما لا دلالة له علیه، وعدم وقوعه بما هو دالّ علیه. والأعجب من ذلک دعواه القطع بأنّ الروایات واردة مورد المقاولة وغیرها، مع أنّه لو لم یقطع بأنّها واردة مورد الإنشاء بذلک لم یقطع بما ذکره، فلاحظ الروایات.
وکیف کان، الصحیح ما مرّ: من إمکان الإنشاء بکلّ مایعتبر العقلاء تحقّق المعاملة به ماضیاً کان أو مضارعاً أو غیر ذلک.
[[page 205]]