بناء العقلاء علی جواز التقلید عن المیّت
وأمّا سیرة العقلاء ، فملخّص الکلام فیها : هو أنّ فی ارتکازهم لا یکون فرق بین الحیّ والمیّت لوجود ملاک الرجوع إلی الغیر وهی ندرة المخالفة للواقع وضعف احتمالها فی کلیهما ولکن صرف ارتکازهم لا یکفی لکشف رضایة الشارع وإمضائه ، بل الاعتبار بعملهم واستقرار سیرتهم علی الرجوع واتّصاله
[[page 470]]إلی عصر الإمام علیه السلام ویمکن وجود الملاک فی نظرهم وعدم الرجوع عملاً ولو لعدم الداعی وانصرافه .
ولا یخفی : أنّ بناء الناس عملاً لیس علی الرجوع إلی آراء الأموات من أهل الخبرة وکتبهم لعدم الداعی بعد التمکّن من الرجوع إلی الحیِّ، ولکنّهم لو رجعوا إلی رجل من أهل الخبرة وتعلّموا منه استغنوا بذلک عن الرجوع إلی غیره وإن مات بعد التعلّم منه ، إذ یرون أنفسهم حینئذٍ عالمین مستغنین عن الرجوع إلی الغیر .
وإذا عرفت ذلک : تبیّن لک جواز البقاء بعد التعلّم من المیّت وإن لم یعمل دون التقلید منه ابتداءً ، فإنّ العمدة فی باب التقلید ، کما عرفت هو سیرة العقلاء ، حیث لم نجد فی الأدلّة الشرعیة ما یکون بصدد التأسیس فی هذا الباب والسیرة العملیة لیست علی الرجوع إلی المیّت ابتداءً ولو لعدم الداعی ، ولو فرض تحقّق السیرة فی أعصارنا فلا مجال لاستکشاف اتّصاله إلی عصر الإمام حتّی یستکشف إمضاءه .
وأمّا البقاء بعد التعلّم ، فممّا استقرّت علیه السیرة حیث نقطع بأنّ أصحاب الأئمّة بعد مراجعتهم إلی مثل زرارة وزکریا بن آدم وأبی بصیر ونحوهم بسبب ارتکاز الرجوع إلی أهل الخبرة وتعیـین الإمام هذه الصغریات وبعد أن تعلّموا منهم المسائل رأوا أنفسهم عالمین بالأحکام الشرعیة ، فإذا مات مثل زرارة لم یکن یتحیّر من تعلّم منه فی وظیفته ولم یرد فی روایة تعیـین الوظیفة لمن مات مجتهده ، ومع استقرار بنائهم علی البقاء بعد التعلّم لو کان لا یجوز لوجب علی الإمام الردع وتحدید الإرجاع إلی مثل زرارة وزکریا بن آدم بما دام الحیاة وقد
[[page 471]]عرفت أنّ الإرجاع إلیهم من باب الإفتاء لا الروایة .
فبهذا البیان یستفاد استقرار السیرة علی البقاء بعد التعلّم وعدم ردع الأئمّة علیهم السلام عن ذلک .
وأمّا التقلید الابتدائی عن المیّت فلیس فیه سیرة عملیة ، بل هو صرف وجود الملاک والارتکاز ولا یکفی ذلک کما عرفت ، فالأقوی علی هذا جواز البقاء بعد التعلّم للقطع بتحقّق سیرة أصحاب الأئمّة علیهم السلام والقطع بعدم الردع ولو کان حجّیة القول منحصرة بما دام الحیاة لوجب علی الإمام فی الروایات الکثیرة التی أرجعوا فیها أصحابهم إلی أشخاص ، التحدید بما دام الحیاة بعد ما علموا بارتکاز البقاء بعد التعلّم فی أذهانهم .
هذا ما عندنا فی باب التقلید عن المیّت ، وأمّا الآیات والروایات فقد عرفت فی باب التقلید عن الأعلم أ نّها لیست بصدد التأسیس وإنّ بعضاً منها ضعیف وما لا ضعف له لا إطلاق له حتّی یفید .
[[page 472]]