مقدّمةٌ
إنّ دین الإسلام دین سیاسی اجتماعی ولیس أحکامه منحصرة فی العبادیات ، بل یکون کثیر من أحکامه مربوطة بسیاسة المدن ، کأحکام المعاملات والحدود والقصاص والدّیات والأحکام القضائیة المرتبطة بفصل الخصومات والأحکام الکثیرة المرتبطة بمالیات دولة الإسلام وسائر الأحکام المدنیة وکان النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ـ مضافاً إلی إرشاد الخلق ـ یقوم بأمر رئاسة المسلمین وینصب الحکّام للولایات المفتوحة ویطلب منهم الزکاة وغیرها بعنوان الخراج ویرجع إلیه فصل الخصومات ، وکذا الخلفاء من الراشدین وغیرهم ، فإنّ علیاً علیه السلام أیضاً حینما تصدّی لإعباء الخلافة ظاهراً کان یقوم باُمور المسلمین وینصب الحکّام والقضاة للولایات .
ودین الإسلام خاتم الأدیان وقد شرع أحکامه لجمیع الأمصار فی جمیع الأعصار إلی یوم القیامة فجمیع ما یحتاج إلیه البشر من حین التولد إلی حین الوفاة وجمیع حرکاته وسکناته ممّا جعل مطرحاً لنظر شارع الإسلام وشرع له
[[page 419]]حکم من الأحکام ، فلیس لأحد أن یحتمل عدم تکفّل شارع الإسلام لبیان مثل آداب الخلوة والتخلّی وغیرهما فضلاً عن الاُمور المهمّة التی لابدّ منها فی انتظام أمر المعاش والمعاد من الحکومة والأمارة والقضاوة والولایة علی القصر وغیر ذلک ، فلم یهمل شارع الإسلام مثل هذه الاُمور قطعاً .
ثمّ من البدیهی أنّ أحکام الإسلام مع تشعّب غصونها وانشعابها إلی الشعب المختلفة یعسر جدّاً علی جمیع الناس استنباطها من الأدلّة والحجج الشرعیة ، بل یتعذّر لبعضهم وإن صرف جمیع عمره فی ذلک ، فلا ریب أ نّه لا یجب علی الجمیع الاجتهاد فیها ولا الاحتیاط ، فإنّه موجب لاختلال النظم قطعاً ، فیجب علی بعضهم الاجتهاد فیها ورجوع غیرهم إلیه ، إذ لا طریق عقلائیاً فی امتثال الأحکام بکثرتها وتشعّبها مستنداً إلی الحجّة ، وراء ذلک وهذا أیضاً واضح .
[[page 420]]