عِلم الأسماء والعرفان
إنّ من الـمحرّر فی محلّـه: أنّ اللّٰه تعالـیٰ هو الاسم الـمعتدل بین الأسماء، وهو ینطوی علیٰ جمیع مقتضیات الأسماء علیٰ وجـه الاستواء، ویکون مظهره أیضاً أعدل الـموجودات، وفیـه جمیع الأوصاف علیٰ حدّ الاعتدال والاستواء، وأنّ هذا الاسم یُعرب عن کون الـذات جامعـة لجمیع الـصفات والـکمالات، لا أنّها جامعـة لأعلیٰ الأوصاف وأرفع الـکمالات، بل هو یقتضی کون کلّ کمال وجمال داخلاً فی إحاطـة وجود مسمّاه ووارداً فی مصبّـه وموقفـه. وهذا ـ أیضاً ـ من غیر فرق بین أنحاء الـکمالات الـثابتـة لأنواع الـموجودات؛ الـراقیـة الـمجرّدة والـنازلـة الـمادّیـة. فعلیٰ هذا یختصّ الـحمد باللّٰه تعالـیٰ، ووجـه الاختصاص اقتضاء الاسم الـشریف، فإتیان کلمـة «اللّٰه» الـشریفـة هنا للإیماء إلـیٰ هذه الـموهبـة الـعظمیٰ وتلک الـدقیقـة الـعلیا.
ثمّ إنّ توحید الـحمد بحصره فیـه تعالـیٰ یستلزم توحید الأفعال؛ ضرورة أنّ الـحمد بوحدتـه الـجنسیّـة لـه تعالـیٰ، وتکثّر تلک الـوحدة بتکثّر أسبابـه، فإذا کانت الأسباب راجعـة إلـیٰ الـوحدة فهو واحد، وذاک أیضاً واحد
[[page 306]]حقیقـة، فلا تکثّر فی تلک الـوحدة.
وتوحید الأفعال یستـتبع توحید الـصفات والـذات؛ من غیر انثلام فی أوصافـه الـجمیلـة، ومن غیر لزوم إنکار الـکثرة فی الـتجلّیات الأسمائیّـة وغیرها.
ثمّ إنّ حمد الإنسان ربَّ الـعالـمین بالـقول وبالـذکر الـقلبی والـحالـی، وأمّا حمده تعالـیٰ نفسـه فهو ظهور الـکمالات وحصول الـغایات من الأشیاء، هکذا أفاده ابن الـعربی.
وبتوضیح منّا : أنّ ظهوره تعالـیٰ وتجلّیـه الأوّل، حمده الـقلبی والـباطنی، وظهوره الـثانوی وتجلّیـه بالـفیض الـمقدّس، حمده الـخارجی والـلسانی، وأمّا حصول الـغایات ووصول الأشیاء إلـیٰ منتهاها فهو دائمیّ ، ولایکون من الـحمد إلاّ فی وجـه یأتی بیانـه وتفصیلـه، کما لایخفیٰ.
[[page 307]]