معنی التخیـیر فی المسألة الاُصولیة
ثمّ إنّ الظاهر من القائلین بالتخیـیر هو لزوم الأخذ بأحد الخبرین فی قبال الرجوع إلی البراءة وسائر الاُصول ، ولکنّ الظاهر عدم إمکان استفادة ذلک من الروایات . إذ غایة ما یستفاد منها جواز الأخذ بأحدهما لعدم وجود أمر فیها بذلک ولو سلّم وجود أمر فلا یکون له ظهور فی الوجوب فی مثل المقام لوروده فی مقام توهّم الحظر ، حیث إنّ مقتضی الأصل الأوّلی عند العقلاء سقوط المتعارضین وعدم جواز الأخذ بواحد منهما فالأمر علی فرض وجوده لا یدلّ علی أزید من الترخیص فی الأخذ بأحدهما ، ولم نجد فی کلام القوم أیضاً ما یستفاد منه صریحاً لزوم التخیـیر .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ رفع الید عن أخبار التوقّف إنّما یصحّ إذا اُخذ بأحد الخبرین ، حیث إنّ فیه أیضاً تحفّظاً علی الواقع فی الجملة ، وأمّا رفع الید عنها بالرجوع إلی البراءة فمشکل .
فإن قلت : جواز الأخذ بأحدهما یساوق الوجوب ، إذ الأخذ به من باب الطریقیة والطریق لازم السلوک لتنجّز الواقع بسببه .
قلت : جعل الطریقیة فی المقام غیر معقول ، کما سیأتی بیانه عن قریب ، وتنجّز الواقع بسببه موقوف علی وجوب الأخذ ، فإنّ الأخذ بأحدهما لو وجب صار معناه تنجّز الواقع لو فرض کونه مطابقاً لأحدهما وترکهما العبد ، فللمولی الاحتجاج علی العبد ، کما أنّ العبد لو أخذ بأحدهما وفرض مخالفته للواقع کان له الاحتجاج علی المولی ، وأمّا إذا لم یجب الأخذ بأحدهما ، بل تخیّر العبد بین
[[page 373]]هذا وبین الرجوع إلی البراءة لم یکن للمولی الاحتجاج علی العبد لو ترک الأخذ بهما وصادف أحدهما الواقع .
نعم ، للعبد الاحتجاج علی المولی لو فرض أخذه بأحدهما وخالف الواقع .
وبالجملة : فلم نجد ما یدلّ علی تعیّن التخیـیر .
[[page 374]]