الأمر الخامس فی أنّ المضیّ هل بنحو الرخصة أو العزیمة ؟
عدم الاعتناء بالشکّ بعد التجاوز ، هل هو بنحو الرخصة أو العزیمة ؟! ربّما یدّعی الثانی من جهة ظهور قوله : «فلیمض» فی الوجوب .
وربّما یرد ذلک ویقوی الأوّل بأنّ الأمر هنا فی مقام توهّم الحظر ، حیث إنّ الأصل الأوّلی لزوم الإتیان بما شکّ فلا یفید الأمر أزید من جواز المضیِّ.
[[page 271]]واُجیب عن ذلک : بأنّ العزیمة لا تتوقّف علی کون الأمر للوجوب ، بل یمکن أن یستدلّ علیها بقوله : «فشکّک لیس بشیء» فإنّ إلغاء الشکّ لیس إلاّ بمعنی لزوم ترتیب آثار الیقین بالإتیان .
ویرد علیه : أنّه کما یمکن أن یحمل قوله : «فلیمض» علی الجواز فیمکن أن یحمل قوله : «فشکّک . . .» أیضاً علی جواز الإلغاء له عملاً .
فالتحقیق : الاستدلال للعزیمة بمثل قوله : «قد رکعت ، امضه» فی الروایة السابقة ، إذ مفاده الحکم بتحقّق الرکوع تعبّداً وفی عالم التشریع فیترتّب علی الإتیان ثانیاً آثار الزیادة العمدیة ، ففی مثل الرکوع والسجود لا یجوز الإتیان ثانیاً ، وفی مثل الحمد ونحوه یجوز الإتیان ثانیاً بقصد الرجاء کما لو قامت أمارة معتبرة علی الإتیان ، فإنّ الاحتیاط فی صورة قیام الأمارة علی الإتیان أیضاً ممّا لا مانع منه .
ولقائل أن یقول: إنّه لا ثمرة عملیة للنزاع فی الرخصة والعزیمة، إذ مثل القراءة ونحوها یجوز الإتیان به مطلقاً رجاءً ومثل الرکوع ونحوه لا یجوز ، إذ لو فرض عدم قاعدة التجاوز أیضاً لم یجز بصرف قاعدة الاشتغال الإتیان بالرکوع حین الشکّ فیه، لدوران الأمر بین المحذورین، وما تراه من الإتیان به فیما إذا شکّ فیه
[[page 272]]فی المحلّ فإنّما هو بمقتضی استصحاب الوجوب لا صرف قاعدة الاشتغال ، وحینئذٍ فإذا فرض تأسیس قاعدة التجاوز فلا فرق بین کونها بلسان «قد رکعت» وبین کونها بلسان «فلیمض» مثلاً فی منعها عن جریان الاستصحاب ، فلا یبقی مجال لإتیان الرکوع ثانیاً وإن کانت بلسان «فلیمض» ، فتدبّر.
[[page 273]]