کلام المحقّق النائینی ونقده
ثمّ اعلم أنّ المحقّق النائینی قدس سره قال فی مقام تبیـین حقیقة الاستصحاب التعلیقی ما حاصله : أنّ الشکّ فی بقاء الحکم الکلّی علی ثلاثة أوجه ـ إلی أن قال ـ : الوجه الثالث : الشکّ فی بقاء الحکم المرتّب علی موضوع مرکّب من جزءین عند فرض وجود أحد جزءیه وتبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر ، وهذا هو المصطلح علیه بالاستصحاب التعلیقی ، والأقوی عدم جریانه لأنّ الحکم المرتّب علی الموضوع المرکّب إنّما یکون تقرره بوجود الموضوع بما له من الأجزاء فموضوع الحرمة فی مثال العنب مثلاً إنّما هو العنب
[[page 85]]علی تقدیر الغلیان وکلّ شرط یرجع إلی الموضوع فقبل فرض الغلیان لا یمکن فرض وجود الحکم حتّی یستصحب ، فإنّ وجود أحد جزئی المرکّب کعدمه لا یترتّب علیه الحکم ما لم ینضمّ إلیه الجزء الآخر .
نعم ، الأثر المترتّب علی أحد الجزءین هو أنّه لو انضمّ إلیه الجزء الآخر لترتّب علیه الأثر ، وهذا المعنی مع أنّه عقلی مقطوع البقاء فی کلّ مرکّب وجد أحد جزءیه ، انتهی .
أقول : ملخّص کلامه بعد تبیـین حقیقة الاستصحاب التعلیقی ، أنّ المستصحب إن کان هو الحکم المترتّب علی الجزءین ، فیرد علیه : أنّه غیر متحقّق سابقاً ، وإن کان هو الأمر المترتّب علی أحد الجزءین ، فیرد علیه : أوّلاً : أنّه مقطوع البقاء . وثانیاً : أنّ الترتّب عقلی .
ثمّ أقول : إنّ تفسیره للاستصحاب التعلیقی بما ذکر فاسد ؛ فإنّ کلام القوم إنّما یکون فیما إذا وقع التعلیق فی لسان الشارع بأن قال : العنب إذا غلی یحرم مثلاً ولو سلّمنا رجوع التعلیق بالدقّة العقلیة إلی ترکّب الموضوع ، ولکنّه إذا وقع فی لسان الشارع یکفینا للاستصحاب ، فإنّ الموضوع بحسب نظر العرف حینئذٍ هو
[[page 86]]ذات العنب ، والغلیان واسطة فی الثبوت ، بل العرف یرجع بعض الموضوعات المرکّبة أیضاً إلی هذا المعنی ، کما فی قوله : «الماء المتغیّر نجس» ، فإنّه بنظرهم کقوله : «الماء إذا تغیّر تنجّس» ، حیث یرون التغیّر واسطة فی الثبوت ویرون الموضوع عبارة عن ذات الماء .
وبالجملة نقول فی مقام الجواب عنه : أنّ المراد لیس استصحاب الحکم الفعلی ، بل استصحاب الحکم الثابت للعنب مثلاً .
وقوله : أنّ أثره لیس إلاّ أمراً تعلیقیاً وهو عقلی ، یرد علیه : أنّ المفروض وقوع التعلیق هنا فی لسان الشارع ، ورجوع الواسطة فی الثبوت بحسب الدقّة إلی القیدیة فی الموضوع لا یضرّ بما هو المقصود فی المقام من استصحاب أمر ثبت فی لسان الشارع .
ثمّ إنّه من العجائب ما ذکره من أنّ أثر الجزء مع أنّه عقلی ، مقطوع البقاء ، إذ المفروض فیما نحن فیه هو الشکّ فی بقاء هذا الأثر من جهة تبدّل بعض حالات الجزء ، فتدبّر .
هذا ، ثمّ قال قدس سره فی ذیل کلامه ما حاصله : أ نّه إن اُرید استصحاب السببیة والملازمة ، فیرد علیه : أوّلاً : عدم کونهما مجعولین کما مرّ فی الأحکام الوضعیة .
وثانیاً : أنّ الملازمة مقطوعة .
أقول : یرد علی الأوّل : ما عرفت من قابلیة نفس الملازمة والسببیة للجعل .
وعلی الثانی : أنّ الفرض تبدّل بعض حالات الموضوع بما لا یضرّ بالبقاء
[[page 87]]العرفی ففی العنب الموجود الذی صار زبیباً یقال : إنّ سببیة غلیان هذا للحرمة کانت محقّقة فتستصحب ، فتأمّل .
[[page 88]]