سورة البقرة

المسألة الخامسة : حول کلمة «یُقِیمُونَ»

الآیة الثالثة من سورة البقرة قوله تعالیٰ «اَلَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ» / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 152764 | تاریخ : 08/03/1395

المسألة الخامسة

‏ ‏

حول کلمة ‏«‏‏یُقِیمُونَ‏‏»‏

‏ ‏

‏قام یقوم بالأمر: تولّده، قام علیـه: راقبـه، قام علیٰ غریمـه: طالبـه، قام‏‎ ‎‏فی الـصلاة: شرع فیها، قام علیٰ الأمر: دام وثبت، قام الـحقّ: ظهر. أقام‏‎ ‎‏بالمکان: دام فیـه. وأقام الـشیء: أدامـه. أقام الـشرع: أظهره. أقام الـصلاة :‏‎ ‎‏أدام فعلها‏‎[1]‎‏.‏

أقول:‏ الـمستفاد من الـلغـة أنّ إقامـة الـصلاة لـیست بمعنیٰ الإتیان بها،‏‎ ‎‏وفرق بین ما إذا قیل: الـرجل یصلّی، وبین قولـه: الـرجل یقیم الـصلاة، وإذا‏‎ ‎‏قیل: «أقام الـصلاة» فربّما یُتراءیٰ منـه أنّـه أزال عوجها وأحکمها، کما یستفاد‏‎ ‎‏من الـلغـة. قال فی الأقرب: أقام الـشیء أزال عوجـه‏‎[2]‎‏. انتهیٰ. وإزالـة‏‎ ‎‏الاعوجاج تستلزم الـتحکیم واستقامـة الـشیء طبعاً.‏

‏والـمستفاد من استعمالات الـکتاب: أنّ الـمراد من إقامـة الـصلاة هو‏‎ ‎‏الإتیان بها، وقد بلغت إلـیٰ قریب من الـثلاثین، وفی أکثرها الـقریب من‏‎ ‎‏الاتّفاق، قد عطف علیـه قولـه: ‏‏«‏یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ‏»‏‏ وما یُشبهـه، وقولـه تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ‏»‏‎[3]‎‏ أیضاً یکون فی موقف إیجاب الـصلاة، لا‏‎ ‎
‎[[page 406]]‎‏إیجاب الإقامـة وعنوانها.‏

‏فعلیٰ هذا یتوجّـه إشکال: بأنّ الـلغـة تکذّب الـکتاب استعمالاً، فلابدّ‏‎ ‎‏من الالتزام بالمجازیّـة من غیر مصحِّح ومبرِّر لـلاستعمال ظاهراً.‏

اللهمّ إلاّ أن یقال:‏ إنّ قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏أَقِمِ الصَّلاَةَ‏»‏‏ وسائر مشتقّاتـه، کنایـة‏‎ ‎‏عن الإتیان بها وإیجادها، أو إشارة إلـیٰ لـزوم کونها ـ بعد مفروضیّـة وجوبها‏‎ ‎‏ولزوم إتیانها ـ مستقیمةً وصحیحةً وخالیةً عن الاعوجاج.‏

‏وربّما یخطر بالبال أن یقال: إنّ الأفعال الـمشتقّـة من الـصلاة لـیست‏‎ ‎‏نصّاً فی الـصلاة الـمخصوص بها شرع الإسلام، والـتی هی من الـمخترعات‏‎ ‎‏الـتشریعیّـة الإسلامیّـة أو غیر الإسلامیّـة.‏

‏والـذی هو الـظاهر أو کالنصّ فیها هو هذا الـنحو من الـتعبیر الـرائج‏‎ ‎‏فی الـکتاب، مثلاً هناک آیات مشتملـة علیٰ تلک الأفعال، وتکون ظاهرة فی‏‎ ‎‏الـمعنیٰ الأعمّ منها:‏

‏1 ـ ‏‏«‏وَلاَ تُصَلِّ عَلَیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً‏»‏‎[4]‎‏.‏

‏2 ـ ‏‏«‏وَصَلِّ عَلَیْهِمْ‏»‏‎[5]‎‏.‏

‏3 ـ ‏‏«‏فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ‏»‏‎[6]‎‏ ... وهکذا.‏

‏وإذا استعملتَ فعل الـصلاة متعدّیاً بـ «علیٰ» فهو بمعنیٰ الـدعاء ظاهراً،‏‎ ‎‏وقلّما یتّفق أن یکون کلمـة «صلّ» مستعملـة فی الـصلاة الـمخترعـة الإلهیّـة‏
‎[[page 407]]‎‏الـتی أوّلها الـتکبیر، وآخرها الـتسلیم، مثل قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ اُخْرَیٰ‎ ‎لَمْ یُصَلُّوا‏»‏‎[7]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا یمکن أن یکون اختیار هذا الـنحو وتلک الـکیفیّـة لإفادة‏‎ ‎‏الـمعنیٰ الـمخصوص، وأن یُستأنس بتلک الـطبیعـة الاختراعیّـة نفوس‏‎ ‎‏الـمسلمین وأرواح الـمتشرّعـة. واللّٰه الـعالم برموز کتابـه ولطائف صنعـه.‏

‏وهنا کلام آخر وهو : أنّ الـصلاة ـ کما یأتی تحقیقها ـ موضوعـة لـمعنیً‏‎ ‎‏أعمّ من الـصحیح والـفاسد، فإذا قیل: «الـذین یُصلّون» فهو لایفید ـ حسب‏‎ ‎‏الـلغـة ـ إلاّ الإتیان بالصلاة الـلغویّـة، وأمّا قولـه: ‏‏«‏اَلَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ‏»‏‎ ‎‏فهو یفید الإتیان بها صحیحةً خالیّةً عن الاعوجاج والانحراف؛ قضاءً لـحقّ‏‎ ‎‏مفهوم الإقامـة الـملازم لـلاستقامـة، فتدبّر.‏

‏ ‏

‏ ‏

‎[[page 408]]‎

  • )) أقرب الموارد 2 : 1053 ـ 1054 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) الإسراء (17) : 78 .
  • )) التوبة (9) : 84 .
  • )) التوبة (9) : 103 .
  • )) الکوثر (108) : 2 .
  • )) النساء (4) : 102 .

انتهای پیام /*