الأدلّة ظاهرة فی الوجوب المعلّق
وأمّا الأدلّـة فلا یبعد ظهورها وانصرافها إلـی الـوجوب الـمعلّق، فإنّ اللّٰه فرض فی کلّ اُسبوع، خمس وثلاثین صلاة، کما فی أخبار صلاة الـجمعـة، فبحسب کلّ اُسبوع یکون الـوجوب فعلیّاً، والـواجب استقبالـیّاً.
ویؤیّد ذلک کلمـة «إذا» الـواردة فی الأخبار؛ حیث إنّها تدخل علی الـفعل الـمفروض مجیئـه، فقولـه علیه السلام: «إذا دخل الـوقت فقد وجب الـظهران»، أو «الـطهور والـصلاة» فهو لأجل الـعلم بمجیئـه حسب الـعادة.
وهذا هو الـظاهر من الـکتاب الـعزیز؛ فإنّ الـخطاب الـمشتمل علی الـتکلیف فعلی، والـمکلّف بـه استقبالـی، وقد حرّرنا فی الاُصول: أنّ جمیع
[[page 142]]الـتکالـیف لا یعقل إلاّ وأن یکون معلّقاً أو منجزّاً، بحسب الـثبوت وإن کان یمکن الـتعبّد بالـمشروط؛ نظراً إلـیٰ آثاره، فکلمـة «الـلام» سواء کانت بمعنیٰ عند، أو بمعنیٰ بعد، أو الـعلّـة، أو بمعنیٰ من، نحو قولـه تعالـیٰ: «إنَّا لله وَإنَّا إلَیْهِ رَاجِعُونَ» هکذا قیل؛ لا تفید أکثر من أنّ الـواجب متأخّر، ویترتّب علیـه الآثار الـکثیرة.
فما استبعده بعض الأعلام، من کونـه من قبیل الـقسم الـثالـث، أو استظهره الـوالـد الـمحقّق ـ مدّ ظلّـه ـ أنّـه من الـقسم الأوّل، کی تکون الـهیئـة مشروطاً، غیر جائز، بل الأشبـه هو الـفرض الـثانی.
وأمّا توهّم امتناع الـقسم الـثالـث، فهو کتوهّم امتناع الـقسم الأوّل، کما عن الـشیخ رحمه الله أو کتوهّم امتناع الـوجوب الـمعلّق، کما عن بعض الأعلام رحمهم الله، غافلاً عن أنّ الـحوادث الـمتعاقبـة کلّ حسب الـواجبات الـمعلّقـة، کما حرّرناه فی قواعدنا الـحکمیّـة ، فی مسألـة ربط الـحادث بالـقدیم.
فعلیٰ هذا، لـو قدّم صلاتـه علی الـوقت، الـذی هو من قبیل الـقضایا
[[page 143]]الـحینیّـة اعتباراً، الـلازم تقیّد الـمکلّف بـه، بـه رعایـة لـذلک الـحین، وهو مثلاً: من الـدلوک إلـیٰ غروب الـشمس، تکون الـصلاة باطلـة؛ إمّا لـعدم الأمر بها، أو لخلوّها عن الـقید، وهذا هو کذلک حتّیٰ علیٰ مسلکنا؛ فإنّها وإن تکن مورد الأمر إلاّ أنّ الـواجب استقبالـی، فلم یمتثل ذلک الأمر لـما یلزم أن یأتی بها فی ذلک الـحین. هذا مقتضی الـقواعد الأوّلیّـة.
وربّما یقال: بأنّ مقتضیٰ تلک الـقواعد بطلانها، إذا قدّمها علیـه عمداً، وإلاّ فمقتضیٰ حدیث الـرفع، رفع کون الـوقت قیداً استقبالـیّاً، أو قیداً رأساً، فتصیر الـنتیجـة: صحّـة الـصلاة لـوجود الأمر علی الـفرض الـثانی والـثالـث، بل والأوّل؛ ضرورة أنّ رفع تقیّد الـهیئـة بالـوقت، بعد کونها إنشائیّاً، ینتج صحّـة الـصلاة؛ إمّا لـعدم الـحاجـة فیها إلـی الأمر کما تحرّر؛ أو لأنّـه لـیس من الأصل الـمثبت.
وأنت قد أحطت خبراً بما لا مزید علیـه، بأنّ حدیث الـرفع لـیس بحاکم علیٰ عقد الـمستثنیٰ من قاعدة «لاتعاد»، بل هو مقدّم علیـه لاختصاص الـخمسـة بالـمزیّـة.
نعم، إذا أدرک بعض الـوقت، بحیث صحّت الـنسبـة، بأن یقال: وقعت الـطبیعـة فی الـوقت، فالأشبـه کفایتـه؛ لأنّ ما هو موضوع الـقاعدة عنوان وجدانی عرفی، ولعلّ وجـه صحّتها بالـنسبـة إلـی الأوّل، والآخر فی الـجملـة، نظیر وجـه عدولـه من الـعصر إلـی الـظهر، مع أنّ قصد الـظهریّـة مقوّم الـطبیعـة الـمأمور بها، فتسامح.
[[page 144]]أو یقال: قضیّـة الـبراءة عدم وجوبها، بعد الإتیان بها قبل الـوقت ولو بجزء منـه.
وفیه: إنّـه لا وجـه لـه بعد إطلاق أدلّتـه، وإلاّ یلزم الـشکّ فی صورة الـتصدّق، وغیرها ممّا لا ربط لـه بالـصلاة.
[[page 145]]