التنبیه الخامس: فی جریان المعاطاة فی جمیع العقود
والإیقاعات إلاّ فی صنفین
قضیّـة الـقاعدة جریان الـمعاطاة فی جمیع الـعقود والإیقاعات إلاّ صنفین منها، فهاهنا ثلاث دعاوٍ:
الاُولی: عموم الـمستثنیٰ منـه، وذلک لأنّ الألفاظ والأفعال بأنحائهما من الاُمور الـممکنـة الإنشاء بها، لما مضیٰ من أنّ الـمدار علی الـطریقـة الـعقلائیّة، وهی أعمّ، بل قد عرفت أصلحیّة الـفعل من الـقول. وما یتوهّم من قصور الأفعال عن إیجادها عناوین الـمعاملات، فی غیر محلّـه؛ لأنّ الـوجدان علی خلافـه.
الثانیة: من الـعقود والإیقاعات بل ومن أفراد الـبیع والإجارة، ممّا
[[page 134]]لایمکن الـتوصّل إلـیها بالـفعل الـمحض، فتجری فیها الـمعاطاة بالـمعنی الأعم، فهذه خارجـة عن الأصل والـقاعدة موضوعاً؛ ضرورة أنّ الـبحث فی صحّـة الـمعاطاة ولزومها فرع إمکانها، ففی غیر الـمنقولات - کالأراضی إذا کانت الـثمن منها - فإنّـه لایمکن الـتوصّل بالـفعل إلـی الإجارة والـبیع.
ومن هذه الـطائفـة ما یتوصّل إلـیـه بالـفعل الـخارج عن الـمتعارف؛ بمعنی أنّ الـبناءات الـعقلائیّـة تکون علی الأقوال والـمعاطاة بالـمعنی الأعمّ، دون الـفعل الـمحض؛ لصعوبـة الـتوصّل بـه إلـیها، فلو أراد وقف داره بعنوان الـمسجد مثلاً، فإنّـه وإن أمکن فتح بابها، وتخلیتها من أثاثـه بعنوان جعلها مسجداً، إلاّ أنّـه خلاف الـمتعارف فی الـفعل، بخلاف بناء الـمسجد بعنوانـه، فإنّـه فعل متعارف فی الـتوصّل بـه إلـی الـمقصود.
الثالثة: من الـعقود والإیقاعات ما هی الـجاریـة فیها الـمعاطاة حسب الـقواعد، کالـنکاح والـطلاق والـعتق، إلاّ أنّ الـشرع الأقدس تصرّف فی الـسبب؛ وجعل الألفاظ الـخاصّـة موضوعـة لاعتبارها، وإیقاعَ هذه الـعناوین لایمکن إلاّ بها، وقد یتوهّم عدم إمکان الـمعاطاة فیها، وهو غیر تامّ.
نعم دعوی: أنّ الـفعل الـمتوصّل بـه إلـیها خارج عن الـمتعارف، غیر بعیدة، إلاّ أنّ الـحقّ خلافها؛ ضرورة أنّ مفاهیم الاُمور الاعتباریّـة، کلّها کانت من الـمفاهیم الأصیلـة، ومصادیقها الـحقائق الـخارجیّـة، ثمّ بعد مساس الـحاجـة إلـیها فی الـمجتمع الـبشری، اتسعت تلک الـعناوین، واعتبرت لها الـمصادیق الادعائیّـة والاعتباریّـة، وذلک فی الـنکاح،
[[page 135]]والـطلاق، والـعتق، والـملکیّـة، والـبیع، وغیرها، فإنّ الأمر فی الابتداء کان علی الأفعال الـمحقّقـة لها، ثمّ انتقل إلـی غیرها. ولایقع عقدة الـنکاح بالـمحرّم من الـفعل، بل نفس تهیّؤ الـمرأة مع إعطاء الـمهر، موضوع لاعتباره، فتدبّر.
هذا مع أنّ الـزوجیّـة تحصل بالـدخول علی نعت حصول الـمعلول عقیب الـعلّـة، فلایکون الـدخول - وهو الأمر الـخارجیّ الـواقع فی الـزمان - محرّماً؛ لأنّ معـه الـزوجیّـة حاصلـة، ولا دلیل علی اعتبار أزید من ذلک فی الـحلّیـة. وتوهّم بقاء عنوان «الأجنبیّـة» حین الـنکاح، غیر نافع؛ لأنّها تزول بحصول الـعنوان الـمقابل فی خارج الـزمان، کما لا یخفی.
هذا، وتفصیل الـبحث یطلب من سائر الـکتب، فإنّـه فیها بعض مطالـب اُخر وفروع کثیرة، ولاینبغی الـتعرّض لها هنا.
[[page 136]]