سورة الفاتحة

النکتة السادسة : فی نظم هذه السورة

الناحیة الثامنة : حول الآیة الشریفة «صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّینَ» / المبحث الثالث : حول ما یتعلّق بالکلمات والجمل الناقصة وهنا یقع الکلام فی نواحٍ شتّیٰ :

کد : 153586 | تاریخ : 11/03/1395

النکتة السادسة

‏ ‏

فی نظم هذه السورة

‏ ‏

‏وهو علیٰ ما أفاده بعض أهل الـتحقیق‏‎[1]‎‏ ـ وإن کان فی وجهـه الـوجوه‏‎ ‎‏الـکثیرة ـ : أنّ لـلإنسان أیاماً ثلاثـة: الأمس، والـبحث عنـه یسمّیٰ بمعرفـة‏‎ ‎‏الـمبدأ. والـیوم الـحاضر، والـبحث عنـه یسمّیٰ بالوسیط، وبتعبیر منّا الـعلوم‏‎ ‎‏الـطبیعیـة. والـغد، والـبحث عنـه یسمّیٰ بعلم الـمعاد.‏

‏والـقرآن مشتمل علیٰ رعایـة هذه الـمراتب الـثلاث، وتعلیم هذه‏‎ ‎‏الـمعارف الـثلاثـة الـتی کمال الـنفس الإنسانیّـة منوط بمعرفتها، ونفس‏‎ ‎‏الأعمال الـبدنیّـة إنّما تراد لأجلها؛ لأنّ غایتها تصفیـة مرآة الـقلب من‏‎ ‎‏الـغواشی الـبدنیّـة والـظلمات الـدنیویّـة؛ لأن یستعد لـحصول هذه الأنوار‏‎ ‎‏الـعقلیّـة، وإلاّ فنفس هذه الأعمال الـحسنـة لـیست إلاّ من باب الـحرکات‏‎ ‎‏والـمتاعب، ونفس الـتصفیـة الـمترتّبـة علیها، لـیست إلاّ أمراً عدمیّاً لـو لـم‏
‎[[page 240]]‎‏یکن معها استنارة صفحـة الـقلب بأنوار الـهدایـة، وتصوّرها بصورة الـمطالب‏‎ ‎‏الـحقّـة الإلهیّـة. والـقرآن متضمّن لـها، وهی الـعروة الـوثقیٰ فیـه لـما ذکرنا،‏‎ ‎‏ولمّا کانت هذه الـسورة مع وجازتها، متضمّنـة لـمعظم ما فی الـکتب‏‎ ‎‏الـسماویّـة من الـمسائل الـحقّـة، والـمقاصد الـیقینیّـة الـمتعلّقـة بتکمیل‏‎ ‎‏الإنسان وسیاقتـه إلـیٰ جوار الـرحمن، فلابدّ وأن یتحقّق فیها جمیع ما یحتاج‏‎ ‎‏الإنسان إلـیـه منها، فنقول: هی هکذا:‏

‏أمّا اشتمالها علیٰ علم الـمبدأ، فقولـه تعالیٰ بعد الـتشرّف بمقام الـذکر‏‎ ‎‏والـتسمیـة: ‏‏«‏أَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ‏»‏‏، فإنّـه یومی إلـیٰ الـعلم بوجود‏‎ ‎‏الـحقّ الأوّل، وأنّـه مبدأ سلسلـة الـوجودات، وموجد کلّ الـعوالـم‏‎ ‎‏والـمخلوقات، وقولـه: ‏‏«‏أَلرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ‏»‏‏إلـیٰ الـعلم بصفاتـه الـجمالیّـة‏‎ ‎‏وأسمائـه الـحسنیٰ، وقولـه: ‏‏«‏مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ‏»‏‏ إلـیٰ إثبات أنّـه غایـة‏‎ ‎‏وسبب نهانیّ لـلمخلوقات، مع الإشارة إلـیٰ أسمائـه الـجلالیّـة. ویشیر إلـیٰ‏‎ ‎‏الـعلم الـوسط قولـه: ‏‏«‏إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ‏»‏‏وهو الـعلم بالأعمال‏‎ ‎‏والأحوال الـتی یجب معرفتها مادام فی هذه الـنشأة وهذه الـحیاة، وهی بدنیّـة‏‎ ‎‏وقلبیّـة:‏

‏فالبدنی: تهذیب الـمظاهر عن الأنجاس وتربیتـه بالصلاة والـصیام‏‎ ‎‏والـحجّ وغیرها.‏

‏والـقلبی: تهذیب الـباطن عن الـغشاوات وخبائث الـملکات.‏

‏وإلـیٰ هذه الأسرار یُشیر أیضاً قولـه: ‏‏«‏إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ‏»‏‏.‏

‏وأمّا اشتمالها علیٰ علم الـمعاد، وهو الـعلم بأحکام الـنفس بعد الـفراق‏‎ ‎‏وخصوصیّاتها، فلقولـه: ‏‏«‏صِرَاطَ الَّذِینَ أَنعَمْتَ ...‏»‏‏ إلـیٰ آخره، فإنّـه صراط‏
‎[[page 241]]‎‏اللّٰه الـعزیز الـحمید، وباب اللّٰه الآتی منـه إلـیٰ الـحقّ، فإنّـه حقیقـة الـمُنعَم‏‎ ‎‏علیهم لا تصیر معلومـة إلاّ بمفارقـة جلباب الأبدان وصیاصی الأجسام.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 242]]‎

  • )) تفسیر القرآن الکریم، صدر المتألهین 1 : 162 ـ 163 .

انتهای پیام /*